دخلت الحرب الاهلية في افغانستان طوراً جديداً يؤهلها لان تتحول الى »حرب أممية« من الصعب رسم الحدود التي قد تمتد اليها، ومن ثم قد تتوقف عندها، اذا ما توقفت، ذات يوم.
لقد كبر »الوحش« الذي ربته وتعهدته بالرعاية اطراف دولية كثيرة خلف حدود هذا البلد المشهورة شجاعة شعبه والمشوهة سمعته غالباً، والذي كان يُنظر الى عزلته الجغرافية وكأنها صمام امان ضد امتداد النار الى ما يجاوره من دول ومصالح عظمى.
واذا كانت المبالغات السياسية قد اعتبرت ان افغانستان كانت »كعب اخيل« بالنسبة للاتحاد السوفياتي، وان الاميركيين ومن معهم من عرب وعجم (آنذاك) وباكستانيين الخ، قد نجحوا في استدراج المعسكر الشيوعي الى حرب مفتوحة وباهظة الاكلاف ولا يمكن وقفها، مما عجل في سقوطه فليس من المبالغة القول الان ان هذه الحرب، التي تجد من يسعِّر نارها باستمرار، تهدد مرة اخرى بانهاك رعاتها الاصليين، بالمال او بالسلاح او بالتدريب، بقدر ما تنذر بتعديلات جدية في خريطة منطقة شاسعة تهزها الزلازل وتمتد ما بين المحيط الهندي وحدود روسيا (الطبيعية) شاملة آسيا الوسطى كلها ومطلة على الخليج العربي عبر ايران وشركائها المفترضين في الثروات المختزنة في بحر قزوين او خلف ضفافه.
ان »حركة طالبان« تواصل الان فرض سيطرتها على افغانستان بمزيد من اشلاء الضحايا والخراب والتدمير المنهجي لمقومات الكيان السياسي والوحدة المركبة لتلك البلاد المهملة، تاريخياً، والمنسية فوق ذلك المعبر الاستراتيجي الفائق الاهمية ليس فقط للدول التي يوصل اليها، بل ولكل القوى العظمى (او المتعاظمة) الطامحة الى مد هيمنتها حتى اقصى حدود الارض التي تطالها بطائراتها او بدولاراتها او باقتصاد السوق، لا فرق.
و»حركة طالبان« هذه هي »الوحش« الذي ينذر تعاظم حجمه بتناسخ سيكون من الصعب ضبطه وبالتالي توظيفه في خدمة الاهداف الاصلية لمن رعاه فأمده بالمال والسلاح والتدريب (وآخر من التحق بالرعاية وانتزع لنفسه موقعاً للرصد والاستطلاع هو اسرائيل).
»حركة طالبان« هذه تقدم بتجربتها التي تجري تحت عدسات التصوير وأمام عيون العالم أجمع، نموذجا فظاً لاستخدام الشعار الاسلامي ضد الاسلام والمسلمين!
لقد ولدت من تزويج مركب للرجعية الدينية مع التعصب العرقي في أحضان هيمنة أجنبية متعددة المستويات والأغراض، ودائما بذريعة الرد على الكفر والإلحاد ومقاومة الأفكار الهدامة التي تقول بأن »الدين أفيون الشعوب«.
ولن يعني نجاح »حركة طالبان« في قتالها المتعدد الجبهات إلا في تحويل ما يجري في أفغانستان من حرب بين المسلمين في دولة إسلامية واحدة الى حروب بين المسلمين في دول إسلامية عدة تتنافر فيها الأنظمة، وتختلط الأعراق وتتداخل الطوائف والمذاهب المثقلة بأحقاد موروثة تاريخيا، بحيث تفيد في تمويه المصالح الأجنبية وطمس هوية المستفيدين الفعليين من هذه الحرب الحروب المدمرة التي ستزيد هذه الدول ضعفاً على ضعفها الأصلي وستدفعها الى رهن مصيرها لدى من يزودها بالسلاح وبشيء من الطعام حتى لو نهب مواردها الطبيعية الهائلة جميعا.
إن »حركة طالبان« تقدم إسلاما مشوَّهاً ومشوِّهاً، مستَفِزاً ومُستعدياً، متخلفاً إلى حد الارتداد، معادياً للتقدم والحضارة، ماسخاً الإنسان وقيمه ومثله العليا!!
وليس لمقاتليها »الطلبة« ما يقدمونه للآخرين (ولأنفسهم) إلا الموت، بالسلاح أو بالجهل والتعصب ومجافاة العصر،
طبعاً، لا مجال الآن لمحاسبة »طالبان«، ولكنها قد تكون لحظة مناسبة لمحاسبة هذا التوظيف الأشوه للإسلام ضد المسلمين، وللمسلمين ضد طموحاتهم الطبيعية، ولأموال المسلمين ضد حقهم في التقدم والحرية وممارسة حقوق الإنسان.
وإذا كان معظم الذين ساعدوا »حركة طالبان« يتنصلون الآن منها، بل ومن »الأفغان العرب« جملة، ويظهرون الندم عن تورطهم في تربية »الوحش« الذي افترضوا انه لن يفترس إلا خصومهم فإذا به يرتد ليهددهم في عواصمهم مستخدماً ضدهم السلاح الذي زودوه به، عقائديا وسياسيا ثم في الشارع، فأين لهم أن يمسحوا عن وجه الإسلام التشوه الذي أصابه وأصابهم فجعلهم يظهرون وكأنهم آتون من »الجاهلية« ولم يعرفوا الإسلام قط.
إن إسلاماً، هؤلاء هم دعاته وحملة راياته ليس بحاجة إلى أعداء.
و»الإسلام الأفغاني« قد بدأ يستنسخ نفسه عربيا، وصار له من يؤكد حضوره بعيدا جدا عن حدود أفغانستان بالدم المراق يوميا على مذبح التعصب في العديد من العواصم والمدن والقرى، مشرقاً ومغرباً.
هل من الظلم القول إن مثل هذا »الإسلام الأفغاني« هو أعظم حلفاء إسرائيل وأهم أدوات الهيمنة الأميركية على العرب ومجموع المسلمين؟!
