إذا صدقت توقعات المنجّمين وتنبؤات البصارات وقراءات الفنجان فإن مجموعة من الوزراء سيخرجون لكي يأخذ »حقائبهم« آخرون لا يتميزون عنهم لا بالكفاءة ولا بالاختصاص ولا بنظافة الكف أو طهارة الذيل.
ولسوف يخرج »المغضوب عليهم«، أو المحرومون من نعمة الحظوة لدى هذا الرئيس أو ذاك، والذين سقطوا في امتحان »الثوابت«، من دون أن يعرف الناس لماذا أُخرجوا، ولماذا جيء في مكانهم بمن لا يتميزون عنهم لا بالخبرة مثلاً، ولا بالنزاهة، ولا بأنهم حازوا في الانتخابات أعلى نسبة من الأصوات فكان لا بد من الخضوع للإرادة الشعبية!
ثم أن »المُخرَجين« لم يكونوا، لا سمح الله، من »المعارضين«، أو من »المشاغبين« أو من المتهمين بالتسريب، ولم توجه إلى أي منهم تهمة خرق التضامن الوزاري أو عدم الانسجام مع الرئيس الحريري الذي يريد حكومته منضبطة.
} السؤال عن معايير الدخول إلى جنة الحكم والطرد منها، وهل هي معايير سياسية أم أخلاقية، تقنية (بمعنى الاختصاص) أو مزاجية، وعامة أم خاصة جداً ولا يجوز الإفصاح عنها أمام الملأ؟!
ذلك أن الفضائح التي كثُر الحديث عنها مؤخراً لم تقع في وزارات هؤلاء »المصروفين«، وبالتالي فليسوا هم مصدر الشكوى التي تحولت أو تكاد تتحول إلى نقمة ولو صامتة.
ثم انهم لا يتحمّلون مسؤولية خاصة عن إفساد الإدارة، وهو موضوع بات مثل »النشيد الوطني«، لا يبدأ اجتماع إلا به، ولا يختتم إلا بترديد الشعار الأثير حالياً: إرفعوا أيدي السياسيين عن الإدارة فنصلحها!
فالمخرجون أضعف من أن يعيّنوا أحداً، وأضعف من أن يحموا أحداً، وإخراجهم يدل على أنهم هم أنفسهم كانوا بحاجة إلى مَن يحميهم.
} السؤال عن »منطق« التعديل والتبديل، وهل يتصل بالقدرة على الانجاز أم بالنفوذ الذي يحمي من المحاسبة، وبالتالي من »العقوبة«؟!
إن مَن تناولتهم الاتهامات، ظالمة كانت أم صادقة، باقون جميعاً في مواقعهم، أمنع من شجر الأرز الخالد، وأقوى من عواصف التشكيك والتشهير ولو كانت »موثقة«،
أما »المخرجون« فكانوا يشكّون من أن حماية الأقوياء الباقين وكأنهم مخلّدون تمنع عليهم محاسبة المقصّر أو المخطئ، المرتشي والسمسار، والمحصن بمذهبيته أو طائفيته، في وجه أية مساءلة حول ذمته المالية أو كفاءته المهنية، سواء أكان مدرِّساً بسيطاً أم عميداً في الجامعة أم مديراً عاماً في هذه الوزارة أو تلك…
} السؤال من أين »يمرق« الإصلاح إذا كان مجبراً على اجتياز الممر الإجباري: »المذهبية« التي تتجاوز برهافة حدها المسموم مخاطر خناجر الطائفية جميعاً؟!
لم يقل أحد، ولن يقول لنا أحد أين مسؤولية هؤلاء المُخرجين عن الأزمة الاجتماعية المتفاقمة، أو عن الركود الاقتصادي، أو عن فشل الإصلاح الإداري الذي تتضاءل الفرصة لتحقيقه كلما تزايد »التهديد« به وكأنه سلاح انتقامي وليس سبيلاً مشروعاً للإنصاف وإحقاق الحق وإقامة العدل ووقف الهدر في المال العام وتأمين الاعتراف بالمواطن وحفظ كرامته كإنسان؟!
ليست هذه الكلمة دفاعاً عن أي من المُخرجين، ولا هي هجوم على الباقين الثابتين والمثبتين بقدرة القادرين… فتلك أمور لا يعرف سرها إلا الراسخون في العلم ولا يغير الحديث عنها حرفاً في ما كتب..
… وإنما هو شيء من الكلام العبثي في هذه الحومة من التصرفات والعركات والحرتقات والتصريحات التي تنطلق من العبث وتنتهي إليه،
والعبث لا يحل أزمة ولا يحقق نهوضاً ولا ينجز إعماراً ولا يخلق حياة سياسية تحمي مشاريع أصحاب الطموح إلى التغيير.. أي تغيير!
الكل في الملعب الآن. الكل ضالع في اللعبة. لقد سقط الاستثناء وصار الكل شركاء.