هل يمكن الآن وبعد هدوء العاصفة الإعلامية لقمة الإرهاب الدولية التي ارتجلتها الادارة الأميركية في شرم الشيخ المصرية لصالح »الزعامة« الإسرائيلية الجديدة القديمة، إجراء حساب أولي للأرباح والخسائر، من وجهة نظر عربية؟!
فأما الربح الإسرائيلي فتحصيل حاصل، ولكن هل ترى الخسارة العربية في حقيقتها تعادل الدوي الذي يحف بها؟! إن المبالغة في الشكل تكشف تواضع المضمون، ويكفي أن المشاركين العرب في هذه القمة قد اضطروا إلى التزام موقف دفاعي لتبيان أن ما جنته إسرائيل أقل مما كانت تعد نفسها به، أو أقل من الضغط الذي مورس لانتزاعه.
ومن الإنصاف القول إن »غياب« سوريا ولبنان كان أعظم تأثيرù من حضور معظم ذلك الحشد العربي، مع ضرورة التمييز بين مواقف الحاضرين، خصوصù وأن غالبية هؤلاء قد التزموا الحد الأدنى من التضامن، فلم ينهشوا لحم إخوتهم الغائبين، وبعضهم تقدم خطوة فبرّر هذا الغياب أو أبدى تفهمه لأسبابه.
والحق أن الوفود العربية بمعظمها كانت ظاهرة الحرج: بدءù بالمضيف المصري، وانتهاءً بالمستدعى بمذكرة إحضار (السعودي والكويتي). أما السعداء بالمشي في جنازة أمتهم فلم يعد لديهم ما يقدمونه، لأنهم أعطوا كل شيء قبل القمة وخارجها.
إن تحجيم الربح الإسرائيلي هو في هذه اللحظة غاية المنى، إذ ان الخسارة العربية واقعة ومفتوحة،
وأعظم أرباح إسرائيل تضمنه ذلك العنوان الذي تصدَّر صحيفة »ليبراسيون« الفرنسية: »كلينتون الإسرائيلي«!
وبغض النظر عن مدى »الخسارة« الأميركية، فإن الاستثنائي فعلاً هو ما قدمه كلينتون لإسرائيل متجاوزù الأعراف والتقاليد ومواثيق التحالف… وهنا يكمن البعد الأخطر »للخسارة« العربية.
وبين ما تجاوزه كلينتون الحد الأدنى من شروط العلاقة الصحية مع »حلفائه« العرب. لقد أحرجهم إلى أقصى حد بالمؤتمر، وكاد يخرجهم خلاله، ثم أذلّهم وامتهن كرامتهم بعد انتهائه، وفي ما قدمه لإسرائيل، عسكريù وأمنيù وماليù بعد كل ما قدمه لها سياسيù.
مع ذلك كله، لم »يتقدم« شمعون بيريز على منافسه الليكودي بنيامين نتنياهو إلا بثلاث نقاط في الاستطلاعات الأخيرة للرأي العام الإسرائيلي!
أي أن بيل كلينتون ومعه حوالى ثلاثين ملكù ورئيسù ومسؤولاً، بينهم 13 من الحكّام العرب، لم يستطيعوا أن يوفروا لهذا السياسي الرديء المعروف بأنه »منحوس«، أكثر من خمس إلى ست نقاط،
هذا بينما دلت الاستطلاعات السابقة لذلك الرأي العام النهم إلى الدم، أن ستين جثة لمن أودت بهم الانفجارات في تل أبيب وعسقلان والقدس المحتلة قد انقصت »شعبية« بيريز ست نقاط ومكّنت خصمه الليكود من التقدم عليه بثلاث نقاط!
.. مع ضرورة التنويه هنا أن القنبلة الفلسطينية الموقوتة ما تزال مشتعلة تنذر بتفجرات متواصلة وغير محدودة النتائج التدميرية، طالما استمر البؤس والفقر والبطالة وافتقاد الأمان والهوية الوطنية، وسور الكراهية والإذلال المتعمّد بالفصل العنصري.
لقد أعطى كلينتون إسرائيل أكثر مما طلبت… وهذا يعني إعطاء الغني ليزداد غنى والضغط على الفقير لكي ينتحر مفجرù نفسه في مضطهديه ومجوّعيه.
وها أن شمعون بيريز يباشر »حربه« الجديدة، متكئù على هذا الدعم الأميركي (والدولي) الإضافي، متوعدù لبنان، وعبره سوريا، بالدمار والقتل والتهجير.
إن بيريز، المطمئن إلى الغطاء الدولي الشامل، يمكن أن يحصد مزيدù من نقاط التفوق على منافسه الانتخابي بمزيد من الضحايا في لبنان.
إنه يفترض أن مدافعه وطائراته وصواريخه يمكن أن تفتك الآن بالناس في لبنان، بحرية تامة ووسط »تفهم« لغاياته الانتقامية المتداخلة مع مصلحته الانتخابية، وبغير أن يخشى اعتراضù: ألم تطلق يده في مكافحة »الإرهاب« و»الإرهابيين« من دون تحديد أو تصنيف أو تعريف ناهيك بالتمييز بين أعمال العنف العشوائية وبين المقاومة المشروعة للاحتلال!
ولسوف تكون قذائفه الآن أميركية دولية مطعّمة ببعض النكهة »العربية«،
إلا إذا…
إلا إذا اعتبرت القاهرة ومعها الرياض والكويت والجزائر وعواصم عربية أخرى أنها وقد أعطت الحد الأقصى السياسي في قمة شرم الشيخ، فإن من حقها أن تنال من واشنطن الحد الأدنى من الأمن، فلا تسمح لإسرائيل بأن تترجم مكاسبها السياسية بهجمات حربية ضارية تُسقط من الضحايا فيها بقدر ما تُسقط في لبنان، جنوبه أو بقاعه أو سائر الجهات،
ثم إن المزيد من الدم سيضفي مزيدù من الوجاهة على الغياب اللبناني والسوري، وقد يحوله من موقف اعتراضي إلى مركز استقطاب يستدرك بعض التفريط… الاضطراري!