تنفس العرب الصعداء مع انهم، شأنهم شأن أي متابع للاخبار واستطلاعات الرأي، كانوا يعرفون ان صديقهم بيل كلينتون باق معهم ولهم لاربع سنوات اخرى..
لا ضرورة لمعايشة القلق عبر رهان جديد، اذن، على رئيس جديد. الرهان القائم قائم والفرصة متاحة لكلينتون الثاني لكي يحقق او يحاول ما عجز عنه كلينتون الاول من مطالبهم في السلام العادل والشامل.
لكن العرب لم يكونوا هناك اصلا..
لم يرد ذكر لهم كأمة او كدول، كقضية او كأزمة او كمشكلة، لا في خطب المرشحين المتنافسين ولا في برامجهم الوعود، ولم يكن لهم أثر في الحملة الانتخابية ولو كعدو للاسرائيليين.
اي انهم ليسوا في مرتبة »الصديق« الذي يخطب المرشح وده، ولا هم في موقع »الخصم« الذي يتوجه اليه المرشح بالتهديد والوعيد، فيستحضره بقدر ما يخشى تأثيره، او بقدر ما تجلب له مخاصماته من اصوات في مجتمعه المترف.
حتى كمصدري نفط، او كأصحاب حقول النفط: لا ذكر للعرب ولا وجود!
فالنفط يجري الى مستخرجيه ومستهلكيه »بأمان الله«، وعوائده تذهب سداداً لكلفة »حرب تحرير سابقة« او أجراً لاحتلال عائد ومستقر في أرضهم الى ما شاء الله،
وتلك هي المصلحة الاستراتيجية الاميركية الاولى في المنطقة،
ثم ان المصلحة الاستراتيجية الاميركية الثانية متمثلة في الكيان الاسرائيلي لا يأتيها التهديد او الخطر لا من خلفها ولا من قدامها،
بل ان اسرائيل هي مصدر الخطر على العرب بدولهم القريبة والبعيدة: لها التفوق العسكري والاقتصادي والصناعي والزراعي المطلق عليهم مجتمعين، ولها الحصانة السياسية الكلية في كل ما تفعل، وادانتها محرمة سواء في مجلس الامن أم في الجمعية العامة للامم المتحدة،
كذلك فان لها وحدها ان تخرج على »العملية السلمية« كما انتجتها الرعاية الاميركية لمؤتمر مدريد، بل وان تعطلها فتنسف مبادئها ومرتكزاتها، وان ترمي الى الريح رسائل الضمانات الاميركية التي شكلت قاعدة القبول العربي لحضور مدريد مسلّمين فيها بمبدأ »الارض مقابل السلام«، اي بان يعطوا اسرائيل مرتين مقابل ان تمن عليهم بالامن داخل الحدود التي تختارها لهم.
بالمقابل كانت اسرائيل حاضرة في كل لحظة، في كل مدينة وفي كل ولاية، وفي برامج المرشحين للمقاعد جميعاً: حكام الولايات، الاعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب (الكونغرس)، في القضاء، اضافة الى الرئيس ونائبه.
بالطبع ليس كل ذلك تقصيرا من العرب، لكن الرهان على كلينتون او اي مرشح آخر، فيه كثير من التجاوز ومن القفز فوق الوقائع التي تحدد الفارق الهائل بين العرب واسرائيل في القدرة على التأثير داخل الولايات المتحدة الاميركية وخارجها بامتداد الكرة الارضية.
ليس للضعفاء بأنفسهم حق الاشتراك في الرهان.
واذا كان العرب ممزقين وضعفاء ومهزومين سلفا داخل اقطارهم فمن اين ستجيئهم القوة خارجها؟!
لا تأتي القوة من الخارج لمستضعف ذاته ولمن يلغي نفسه ويهدر اسباب قوته الذاتية، ثم يقف على ابواب الآخرين طالبا اليهم ان ينصروه على »عدوه« الذي هو بعض هذا »الخارج«، وهو هنا الاميركي.
ولا يجيء السلام هدية للهارب من الحرب واعبائها.
لا يفاوض عدو عدوه اذا كان يدرك سلفا انه، ومهما جرى، لن يقدم على محاربته، وقد يلحق به الهزيمة اذا هو لم يحل خلافه معه سلما وبشيء من التنازلات المتبادلة.
ولن يتدخل وسيط، مهما افترضنا فيه النزاهة، بين مستقو بتفوقه المطلق ومستضعف بهزيمته الداخلية الساحقة.
يتدخل الوسيط، وهو هنا الحليف الاستراتيجي لعدوك، اذا ما احس انك بلغت من القوة ما تهدد به جديا مستقبل عدوك حليفه.
أما في غير هذه الحالة فأقصى ما يمكنك طلبه من الوسيط المجدد له ان يمنع حليفه من شن الحرب عليك، اي ان يمنحك »الامن« مقابل السلام لاحتلاله المستمر، وهو بالضبط ما يعرضه بنيامين نتنياهو من قبل ان يجدد بيل كلينتون، وبعدما هنأه بالتجديد وقد شفع التهنئة بالتأكيد ان »صديقه الحميم لا يفكر قطعا ولا يمكن ان يفكر بالضغط عليه…«.
مع ذلك فلا مناص من الرهان على بيل كلينتون الثاني.
لا خيار آخر… وذلك أبأس ما في الرهان العربي الوحيد الاتجاه.
أما الاوهام عن نشوب حرب اميركية ضد التطرف الاسرائيلي تحمل السلام الى العرب، وهم قاعدون، فهي أتفه من ان يتوقف امامها الا الجاهزون للاستسلام والذين ينتظرون فقط ذريعة من نوع: اسرائيل هي اميركا واميركا هي اسرائيل ولا قِبَلَ لنا بقتال اميركا فلنسلّم اذن لإسرائيل، وكفى الله المؤمنين شر القتال!