طلال سلمان

انتفاضة حربا

تواصل إسرائيل شارون جهودها الحثيثة لتحويل الانتفاضة إلى مشروع حرب »عنصرية« مفتوحة ضد الكيان الصهيوني!! وطمس طبيعتها الشعبية لتستطيع من ثم أن تنفي عن »الفلسطيني« صورة الضحية تمهيداً لإعادة تقديمه في صورة القاتل والإرهابي العنصري الذي يريد إبادة اليهود ولو بتفجير ذاته في تجمعاتهم »المدنية« البريئة.
وطالما أن الفلسطيني قد اختار »الحرب« فبدأها فليتحمل إذاً النتائج، وليست إسرائيل »المهدَّدة« هي المسؤولة عن الفارق في القوة، وخصوصا أن من باشر تحركه بانتفاضة الحجارة قد انتقل إلى استخدام البنادق فالعبوات الناسفة فمدافع الهاون وصولاً إلى العمليات الاستشهادية الموجهة ضد الإسرائيليين كافة، لا فرق بين النساء والرجال، بين العسكريين والمستعمرين (المدنيين!!).
ولقد خرج شارون بالحرب على الانتفاضة، بوصفها اعتراضا شعبيا على محاولة طمس القضية السياسية للفلسطينيين، من إطار المواجهة بالسلاح الثقيل (طائرات، دبابات، مدفعية ميدان، اغتيالات »رسمية« الخ) إلى العالم بدءاً بالولايات المتحدة الأميركية مرورا بألمانيا وفرنسا وصولا الى إيطاليا التي يزورها غداً، في محاولة »لاستئصال« التأييد الأوروبي لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتقزيمه في حدود التأييد لتقرير لجنة ميتشيل والإلحاح على خطة المخابرات المركزية الأميركية بوقف إطلاق النار!
أما الحرب الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية فمستمرة، ومتصاعدة عنفاً كل يوم، وها هي خطط جرف البيوت تتوالى في مختلف مناطق الضفة والقطاع، من القدس الشرقية إلى رفح، أمام أنظار العالم، فضلاً عن تجريف المناطق الزراعية وتقطيع أوصال ما »أُعطي« للفلسطينيين من أرضهم المحتلة، والتضييق عليهم في مواد الإسعاف والتموين والبترول وكل ما ييسّر لهم سبل الحركة والرزق.
بل إن هذه الحرب الإسرائيلية توسعت لتشمل الأرض السورية المحتلة، وإلا فما معنى تجول شارون في هضبة الجولان السورية وإعلانه عن بناء المزيد من المستوطنات فيها، وفي هذا التوقيت؟
وكالعادة، فإن العرب شبه غائبين عن هذه الحرب، يغضون الطرف عن وقائعها المريعة التي من شأنها أن تعيد الفلسطينيين مجرد لاجئين، فيبادر المجتمع الدولي إلى »نجدتهم« بالخيم والبطانيات وعلب التونة والسردين وبعض لوازم الإسعافات الأولية.
وفي ما عدا بعض المواقف المبدئية والمؤثرة سياسيا، أبرزها ما صدر عن الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته قبل أيام لفرنسا، ثم أمس عبر »المواجهة« الدبلوماسية مع مضيفيه الألمان الذين خضعوا للضغط الإسرائيلي فتبنوا، أو كادوا، مقولات شارون، فإن المسرح يكاد يبدو خاليا للحركة الإسرائيلية الحرة، التي تستفيد إلى الحد الأقصى من »غموض« الموقف الأميركي، وهو »غموض« يدرّ استثماره أرباحا أوروبية استثنائية على إسرائيل.
ويمكن أيضا الالتفات إلى الموقف الحاسم الذي أعلنه ولي عهد السعودية الأمير عبد الله بن عبد العزيز، الذي تبناه بالأمس وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، بشرط أن يجد ترجمته العملية في أقرب وقت ممكن، خصوصا إذا ما حوّل الرئيس المصري حسني مبارك تصريحاته الغاضبة الأخيرة الى موقف عملي يمكن البناء عليه، ليس عبر »الحوار« مع شمعون بيريز، بل بما هو أكثر جدوى وأفعل في التأثير على الهجوم الشاروني الشامل على مجموع العرب عبر الفلسطينيين وسلطتهم في أرضهم، وعلى الاتفاقات والقرارات الدولية جميعا.
ومع أهمية »القرار الأول« الذي أصدره عمرو موسى كأمين عام لجامعة الدول العربية بتعيين الدكتورة حنان عشراوي مفوضة الصحافة والإعلام في هذه المؤسسة العريقة والمغلولة اليد باشتراط الإجماع العربي (المستحيل!)، فإن هذه المناضلة الفلسطينية الشجاعة والمؤهلة وذات الكفاءة العالية في تقديم قضيتها إلى العالم وفي الدفاع عنها ودحض الادعاءات والأكاذيب الإسرائيلية، ستظل (مثل عمرو موسى) تفتقد القرار العربي العملي والحاسم ليصبح الكلام معبراً عن فعل وليس مجرد تبشير أو محاججة بالمنطق بينما السلاح يحصد أهل المنطق وأرضهم وحقوقهم وقضيتهم.
لقد أدت حنان عشراوي دورها السياسي والإعلامي بكفاءة متميزة من قبل، ولكن ماذا يفعل الكلام وحده، في غياب الفعل الذي يمنحه المصداقية، بل والمعنى.
لقد طوّر شارون حرب باراك ضد الفلسطينيين الى حرب شاملة ضد العرب، ومن يناصر قضيتهم في العالم. وإذا لم يواجهه العرب مباشرة، وبالقوة المناسبة، فهو لن يتوقف ولن يوقف إطلاق النار عليهم جميعا، حتى وهم هاربون!!

Exit mobile version