إننا محكومون بالفشل. أعمدة الهيكل اللبناني صامدة. لا تقوى عليها صرخات البائسين. لا تصاب بسهام أعتى اللبنانيين ولا نستجيب لتطلعات من تبقى من المؤمنين بلبنان الثاني.
حادثة “البساتين”، انسوها. تصريحات باسيل. انسوها. الخلافات الرئاسية انسوها. الميزانية، لا تعِّولوا عليها. الانتفاخ الطائفي، اعتادوا عليه. الرئيس القوي، دلونا عليه. لبنان القوي، كلام بكلام. لا أمل في المدى القصير والمتوسط والبعيد.
لماذا؟
لان لبنان قوي كليا وذو قدرة على اجتياح الآمال كلها. من أقوى من لبنان، في ماضية البائس، وحاضره التاعس. انه اقوى من الدستور والميثاق والمؤسسات والاحزاب والتيارات، وبالطبع، اقوى من ارهاصات المعارضة العابرة.
من أقوى من لبنان؟
لا أحد. بلد مدين بثمانين مليار دولار ونيف. بلد يكتظ بالكذب والسرقة والتدجيل. هل نعدد مكامن قوة لبنان الواقعية؟ فلنحاول: انه أقوى من جميع الدول، لأنه صمد بلا كهرباء طوال أكثر من ربع قرن. أي بلد في العالم يستطيع الصمود لشهور بلا كهرباء؟ طبعاً لن تجدوا اقوى منه. أي بلاد تستطيع أن تتحمل النفايات والتلوث طوال عقود، وتبقى سلطاتها مبتسمة ومنتظرة لجائزة رسو التنظيفات على عصابات المال ومائيات التلوث. من اقوى من بلد، “ما في شي ماشي فيه”. كله متعثر: امنا وقضاءً واقتصاداً، كله منهوب، ماء وسماء وارضا. كله ميؤوس منه، لا نسمع بشارة واحدة. كل ما يقال لنا: “هاتوا ما عندكم” لقد اخذوا منا، ولم يعدونا بعرفاء.
لبنان القوي هذا، اقوى منه، حادثة البساتين.
مللا بلد.
لذا اياكم والمخيلة لا تحلموا أبداً بلبنان آخر. هذه حصتنا من السياسة والكيان. الطائفية أقامت قلاعها الصامدة، وضمت لبنان الكيان والنظام والقانون والمؤسسات اليها. الذين يحلمون بلبنان علماني، ديمقراطي، يضم جميع أبنائه، ستحولون، الى أضغاث تلوك مرارات الفشل. كل الرهانات الناجحة، هي الرهانات الطائفية. لذلك، فلنصلِّ من كل قلوبنا، وبملء إيماناتنا، كي لا يتحقق ما هو متوقع من خراب قادم، فالفراغ والإنعدام والسرقة والنهب والظلم، أفضل من الركام، وتعلموا، أن للطائفية دولة، ومن دونها لا دولة.
أليس من أجل الطائفية، وفي ظلها، تسير ادارات الدولة ومؤسساتها من الرئاسة الى مجلس الوزراء، الحاوي لممثلي شياطين الطائفية، ومجلس النواب، ميدان المباريات في الكذب، وبالمناسبة. كلهم نجحوا في تأليف كذبات بلقاء، يصدقها الأغبياء فقط؟
للطائفية دولة من دونها تسقط الدولة ويسقط الكيان. وانه لتفاؤل معتوه أن يتوقع أن مستقبل لبنان أفضل من حاضره وأرقى من حاضره وأرقى من ماضيه.
حاضره يزحف مكانه باتجاه واحد: الى الوراء، لبنان يدور حول محوره بلا كلل الطائفية أولاً، وخذوا منها ما يفضحنا. والفضيحة زينة صدور السياسيين الذين يتصدرون المجالس والمناصب ومحطات التلفزة. فما أقبح القبحاء عندما تحاضر بالعفاف.
لبنان مستوطن بالعجز. لا عجلة تدور الى الامام. لا يتوقع له شيء بل لا وجود للتوقع، وان وجد، فالمتوقع هو التراجع الى القعر. لا ارهاصات مستقبلية. فليعذرنا أهل الصراخ في الشوارع. حناجرهم صادقة، انما، لمن نقرع الأجراس؟ وحدهم الاموات ارتاحوا من لبنانيتهم المأساوية.
هذا بلد يليق فقط بزعمائه. تطلعوا جيداً بالأسماء. انظروا إليهم في نباحهم المسعور. لا يخافون ان سقط لبنان في الدم. حدث ذلك سابقاً. خمسة عشر عاماً من الدم. فورثوا الأرض وداسوا الدم وكنسوا كل الكلمات والمشاريع والعقائد.. تصالحوا، وشربوا الأنخاب، والحناجر تحت الزنار، تتطلع الى الطعن أفدح ما اصيب به لبنان. ليس انتصار الطائفية، فهذا مكفول ودائم. المصيبة ان قوى الاعتراض تلاشت. إن يأسها مبرر. الاحزاب اندثرت. النقابات سُرقت، الجمعيات افرغت. لا وجود لقوة ابداً. من قال ان الاصوات والصراخ يسقط شعرة من رأس هذا النظام؟
وعليه، النظام تيس في أزمة. الدولة في ألف خير. السياسة الراهنة تعبير عن عبقرية شريرة. صدقونا. انهم لا يقيمون وزناً للناس، للرأي العام، للحقيقة، جل همهم رص صفوف القطعان. هذا كاف ويضمن البقاء. وعليه، يلزم ان تعتادوا على جبران باسيل، ومن خلفه ومن معه. اعتادوا على وليد جنبلاط، ولا تعولوا كثيراً على معركة داخل الطائفة. اسمعوا طلال ارسلان وصدقوا اقواله واقوال خصومه كذلك. نبيه بري، باق، باق، باق. مهما راح مما تبقى. اسمعوا سعد الحريري واكتشفوا ما لا يقول. لا يجرؤ على قوله. اسمعوا ممثليهم في البرلمان وفي الاعلام، مع الحاح، بعدم تصديقهم، فالكذب هو العملة السياسية في لبنان.
كل طموح الغلابى في لبنان، ان يتغير هذا الوضع الكارثي.
رجاء. احلموا احلاماً واقعية. لا تغشوا انفسكم بالإصلاح والتغيير. فهذا الأمر مستحيل عليكم.
ما العمل؟
لا أعرف. لا مخاض بعد. ولم نتعرف بعد الى مجنون او الى شمشوم.
اننا في زمن العجز الكبير. فنعترف اولاً. بأننا فشلنا. وأننا، نستحق هذه العقوبات الطائفية.
ايها اللبنانيون. اننا محكومون بالفشل. مرة تلو مرة.