تستطيع إسرائيل أن تمارس ترف الاختلاف بين قواها السياسية التي تكاد تتماثل في موقفها »العقائدي« من الشعب الفلسطيني وحقوقه في أرضه، حول حكومة الطوارئ أو حكومة الوحدة الوطنية أو حكومة الحرب، (وهي واحدة)، وحول الانتخابات وهل تكون معجلة أو مرجأة، وحول رئيس الحكومة وهل يتم اختياره بالاستفتاء الشعبي المباشر، على غرار الأنظمة الرئاسية، أم تفرضه الأكثرية في الكنيست، سواء أكانت لحزب واحد، أم لتحالف بين أحزاب مختلفة يجمعها برنامج واحد.
لقد وضعت القمة العربية، ومن ثم القمة الإسلامية سقفا منخفضا للاستعداد للعون، أو المساعدة التي يمكن لهذين العالمين الهائلي الامتداد أن يقدماها لانتفاضة الأقصى… واطمأنت إسرائيل بعدهما إلى أن لا المدى الأول ولا المدى الثاني ولا المديين معا يمكن أن يوفرا لهذه الانتفاضة الباسلة القدرة على اختراق حصار النار الإسرائيلية، فضلاً عن تطوير المواجهة، وصولاً الى تحويل الهبّة إلى ثورة أو حرب استقلال.
أما على المستوى الدولي فقد ثبُت، بالدليل الحسي، أن »العالم الحر« مع إسرائيل بغير نقاش، حتى وهي تقتل الفتية والأطفال، وتنسف البيوت، وتقتلع أشجار الزيتون، وتفرض حصار الجوع على ملايين الفلسطينيين، وتعزل بعضهم عن بعض، وتمنع المؤن وسيارات الإسعاف من الوصول إليهم.
لا تعهدات كلينتون ولا قبلات أولبرايت ولا حيل »الداهية« دنيس روس ولا مشاركة المخابرات المركزية الأميركية في المسؤولية عن الأمن، نفعت في وقف المذبحة، ولا لجنة تقصي الحقائق التي وُلدت جهيضا والتي لا تعرف لها مرجعا ولا تملك صلاحية القرار استطاعت الوصول »الى الأرض« ومباشرة عملها »الرمزي« والذي سيسخر لتبرئة إسرائيل أو تنظيف يديها من دماء الفلسطينيين ولو بإدانة هذا الضابط أو ذاك..
هذه بعض ملامح المأزق الذي تعيشه الانتفاضة المجيدة، والذي لا يفيد في الخروج منه إعلان يوم أو يومين للغضب ثم الذهاب إلى الصلاة.. فالثورة التي يبذل الفلسطينيون دماءهم على طريقها أعلى بكثير من مستوى التعبيرات أو التوصيفات التي تعطى لأيامها.
لا بد من مدد عربي لهذه الانتفاضة المهددة الآن في قدرتها على إنجاز يحفظ قيمة الدم الذي بُذل من أجل تحقيق هدفها السياسي، وهو ما زال مضمراً على المستوى الرسمي، ربما لأن القيادة الفلسطينية تخاف من الجهر به وتسمية هذا الذي يجري باسمه الأصلي: »حرب الاستقلال«.
ولا يكفي توجيه اللوم أو الاتهام بالقصور إلى هذه القيادة. لا بد من قرار عربي بالدعم والاحتضان سياسيا ومن ثم ماليا، وإلا تهاوت الانتفاضة الثانية دون أهدافها الأصلية، موفرة العذر الجديد لإحياء اتفاق أوسلو أو ما يعادله.
لا يكفي الغضب في الداخل. لا تكفي القصائد أو الاتهامات أو التشكيك في الخارج.
من يتحمل »ترف« المواجهة مع إسرائيل فيقدم النجدة الضرورية لهذه الانتفاضة المجيدة والمهددة بالذبول؟!