في البدء، وكما تعلمون، رفع جورج بوش الكلفة مع الله عزّ وجلّ، فصار يتباهى على سائر خلق الله، بأنه يحادثه، وكاد يرفع نفسه إلى مستوى كليم الله في القرن الحادي والعشرين…
وتدريجياً صار جورج بوش يتمادى في رفع الكلفة، فمدّ يده إلى صلاحيات الخالق وأعطى نفسه الحق في أن يقرّر للشعوب مصائرها، مَن منها يستحق الحياة بنعمته، ومَن منها يستحق العقاب بالقتل الجماعي والفتن المدبّرة والتهجير بفعل الرعب وإرهاب الاحتلال، على مدار الساعة: العراق نموذجاً…
ومع أن جورج بوش قد عاقب اللبنانيين مراراً، وأشهر العقوبات لمن نسي أنه أجبر الإسرائيليين على مد أمد الحرب على لبنان لثلاثة وثلاثين يوماً، قبل سنة، برغم إبلاغه أنهم يحضّرون للحرب بعد حين وليس بالتوقيت الذي قرّره، إلا أنه لم يشفِ غليله بعدُ من هذا الشعب الذي قاوم وصمد حتى هزيمة الحرب الإسرائيلية بالقرار الأميركي…
وأمس، قرّر جورج بوش أن يشمل اللبنانيين بنعمته، مرة أخرى، فأعلن حالة طوارئ قومية لمواجهة التهديد الذي تواجهه الحكومة البتراء ، المنتخبة ديموقراطياً !! في لبنان أو المؤسسات الشرعية…
وبموجب الوثيقة التي أصدرها بإعلان حالة الطوارئ القومية أنا آمر قال جورج بوش بتجميد ممتلكات الأشخاص الموجودة وتلك التي ستأتي، ومن ضمنها أية أصول في فروع ما وراء البحار، لأي شخص عمل أو أنه يشكّل خطراً كبيراً للقيام بأعمال عنف بهدف تقويض أو التأثير على العملية الديموقراطية في لبنان أو مؤسساته.. .
ويشمل أمر جورج بوش كل من ساعد مادياً، رعى أو قدّم دعماً مالياً أو مادياً ، وكذلك زوجة الشخص وأولاده … وكل ذلك دون الحاجة إلى إصدار تبليغ مسبق…
وبغض النظر عن الهاجس السوري الذي يقلق نوم الرئيس الأميركي، والذي تذرع به لتبرير ما لا يبرّر، فإننا في هذا الشرق البائس نؤمن أن الرزق من عند الله، وأنه هو المانح والمانع، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.
ثم إننا تعلّمنا وآمنا أن الله سبحانه وتعالى يعاقب المذنب بشخصه ولا يمد العقاب إلى زوجته وأولاده، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى … فالجريمة شخصية، فلماذا يكون العقاب جماعياً؟! ثم إن الزوجة قد تكون مؤيدة للحكومة البتراء، وكذلك من هم تحت سن الرشد من الأبناء، فلماذا تعميم الظلم، وصاحب القرار اعتبر أنه على كل شيء قدير !
ومع تسليمنا بحق الرئيس جورج بوش في أن يعتبر الحكومة البتراء من المصالح الحيوية الأميركية، فإننا لا نفهم لماذا رأى وهو ابن نظام ديموقراطي أن كل من يعارضها هو كافر ، وأن كل من ينتقدها كأنما يجدف على العزة الإلهية، ويستحق أن يموت جوعاً؟!
ومع تسليمنا بأن الإدارة الأميركية تملك أقوى قوة على وجه الأرض، وفي الفضاء وعلى سطوح البحار كما في أعماقها، فإننا لا نفهم هذا الهاجس السوري الذي يقلق نوم كليم الله ويقض مضجعه: فشعب سوريا أقل عدداً من بعض مدن الولايات المتحدة الأميركية، ثم إن السوريين فقراء، بالكاد يجدون من الرزق ما يوفر لهم الحياة الكريمة، ولا نعرف أن سوريا ذاهبة إلى الحرب… فإذا ما كان الرئيس الأميركي يشتبه بالسوريين فلماذا يعاقب قبلهم اللبنانيين؟!
ولما كانت حكمة كليم الله لا تتجلى إلا لأتباعه الخلصاء فقد أخذتنا الحيرة مآخذ شتى عن أسرار هذا القرار بمضمونه وإبهامه ثم بتوقيته… الانتخابي، لبنانياً؟!
وفي نهاية المطاف سلّمنا أمرنا لله، وقرّرنا أن نقدم أموالنا في الولايات المتحدة، وفي فروع ما وراء البحار، هبة إلى كليم الله عله يرأف بنا فيديم علينا نعمة الحكومة البتراء التي لن تبقي لنا ما نطعم به أطفالنا.
تكفينا الديموقراطية الأميركية طعاماً والشرعية الدستورية التي اختارها لنا الرئيس الأميركي ربما بعد حديث مع الله سبحانه وتعالى عن أن يكون كليمه هذا الأرعن!