هي ظاهرة صحية، وظاهرة طيبة ومشجعة، أن تكسر النساء، زوجات وأمهات وصبايا، القيود الرجالية أمام مشاركتهن في العمل العام، وتحديداً في التقدم إلى الانتخابات النيابية، وبزخم ملفت وصل بعدد المرشحات إلى أكثر من مائة سيدة وصبية.
وبرغم الشائعات والتقولات التي تحاول إثارة الشبهات حول العديد من الجمعيات والمؤسسات والهيئات التي ينتظم فيها بعض المنظمات النسائية والشبابية والاجتماعية العاملة في الحقل العام فمن الظلم أن تطلق الأحكام المسبقة على الجميع.. فهناك من يستحق التقدير، وبنفق ما يتلقاه من مساعدات من مؤسسات دولية موثوقة لا ترمي أموالها في الهواء.
ولقد كان لا بد أن يتقدم المغبون والمظلوم والمهمش لكسر القيد الذي يشل حركته، ويفرض عليه أن يعود لينتظم في “القطيع”، مسلماً أمره لصاحب الأمر ومالك الأصوات بالوراثة أو بالنفوذ أو بالمال أو بذلك جميعاً..
على هذا فقد بدا مشهد فرسان وفارسات 7 مفرحاً، وهم يعتلون المسرح لتقديم أنفسهم، مصحوبين بعائلتهم، أو مصحوبات بعائلاتهن، وأزواج المرشحات وابناؤهم مغتبطون بهذا السبق.
ولقد أثبت المشهد أن كسر القيد الرجولي هو أسهل المهمات التي تواجه المرشحات… أما بقية القيود القاسية فهي تلك التي تعترض إرادة التغيير ومحاولة التقدم باتجاه الغد الأفضل.. وفي هذا المجال “يتساوى” الرجال والنساء.. فالعقبات ليست رجالية فقط، بل اقتصادية واجتماعية وحضارية، أولها وأخطرها الدولار باعتباره سلاح الرشوة وتفسيخ العائلات، ثم استغلال الدين أو بالأحرى الغرائز الطائفية والمذهبية.
في أي حال هي الخطوة الأولى في مسيرة طويلة وشاقة، تستحق التشجيع .. بغض النظر عن النتائج الفورية.
وتظل مدهشة هذه الظاهرة بقدر ما هي مفرحة،
مدهشة لأنها تخرج من الحلم بعد طول انحباس فيه..
مدهشة لأنها تعد بإسقاط الاستحالة، وتقبل تحدي الجمود والعفن والتقليد الأعمى والانسياق خلف المصلحة الشخصية ولو على حساب الوطن وحقوق أهله فيه.
تراصفوا على خشبة المسرح يقدمون أنفسهم للناخبين،
ليس بينهم بيك أو أمير، مليونير بالاختلاس أو بالرشوة، ليس بينهم مزور شهادات أو مدعي بطولات وهمية..
ليس بينهم من يتباهى بطائفته أو يخجل بها،
أسماؤهم بسيطة كأسماء أهلك، جيرانك، أصدقائك، رفاقك في المدرسة أو في الجامعة أو في العمل،
جاءوا بعائلاتهم، الزوج بزوجته وأولاده، الزوجة بزوجها وأولادها: قدموا أنفسهم ببساطة، عرضوا كفاءاتهم بغير تباه، وبغير خجل. نطقوا أسماء قراهم بحب واعتزاز.
تراصفوا على المسرح كفريق يستعد لاختراق المستحيل: خرجوا من الحلم السني ليواجهوا الواقع الصعب.. مبتسمين.
لم يخجل أحد باسم عائلته غير المعروفة، أو بلدته الساقطة من ذاكرة الدولة.
تراصفت شهاداتهم الجامعية وكفاءاتهم المهنية فوق خشبة المسرح تؤكد أن في لبنان من الكفاءات أكثر مما تعرف دولته وأكثر مما يقدم أهله الذين تخادعهم السلطة فتوهمهم أن من فيها هم الأكفأ والأقدر والأنشط والأبرع في مختلف المجالات ولو بالزور والتزوير واستخدام الطائفية حبراً للعبور والمذهبية ومنطة إلى المنصب الأدسم والذي يدر أكثر من المال، لا يهم أن يكون حلالاً أو حراماً..
ولقد احتاط المعنيون فابتدعوا “الصوت التفضيل” ليكون المانع الأقوى.. للتجديد.