ينبثق كالضوء، هو الاسم كما تراب فلسطين، يلتمع على وجهه طيف ابتسامة مشعة كما الإيمان، وتحت ذراعه تلك الحقيبة السوداء السحرية التي تحتوي نصف هموم الشعب المطارد باللعنة.
لقاسم عينا القدرة على أن يكون في أمكنة عدة في وقت واحد، هو يجول بين المخيمات مراقباً ومتابعاً ما يجري لها وفيها، وهو يحاضر في المنتديات البعيدة، وصولاً إلى الاميركيتين عبوراً بإيطاليا وفرنسا وما تبقى من أحزاب اليسار ومن التنظيمات التي اتخذت من فلسطين عقيدة وراية نضال.
لا أبالغ إذا قلت إنه لولا قاسم عينا لكانت مذابح صبرا وشاتيلا قد سقطت سهواً من الذاكرة الدولية، وقبلها من الذاكرة الفلسطينية. فهو على امتداد شهور التحضير لذكرى المجازر دائب الحركة والتنقل بين العواصم، ثم بين المخيمات، يحضر اللقاءات والمؤتمر الصحافي والجولة التي تأخذ هؤلاء الوافدين بزخم الإيمان بالقضية إلى ارض الصمود والنصر في جنوب لبنان. يشرف على راحة الضيوف في الفنادق والمطاعم، ويحفظ أسماءهم جميعاً، يصحح الترجمة ويتدخل لتغطية الهفوات.
يندر أن يتكلم قاسم عينا في مهرجانات الخطابات الفخمة الدويّ المفرغة من المعنى. أهل الكلام كثيرون، أما العاملون بصمت تفرضه الجدية والإحساس الثقيل بالمسؤولية فقلة قليلة، يكاد هذا الأسمر بالابتسامة المضيئة المعبرة عن الثقة يكون أحد أبرز رموزهم.
ليست مبالغة أن نقول إن الدكتورة بيان نويهض قد أنجزت، عبر سنوات من التعب، الوثيقة الدولية التي تكشف بالوقائع والبراهين القاطعة مسؤولية أولئك السفاحين الذين ارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا من قادة جيش الاحتلال وجنوده، وكذلك من العملاء اللبنانيين… ثم لا بد من أن نضيف إن قاسم عينا قد سعى فنجح في استقدام الشهود الدوليين، ليروا ما تبقى من آثار تلك الجريمة ضد الإنسانية التي كادت تمر من دون عقاب.
أعرف أن قاسم عينا سيغمره الخجل حين يُكرم، فهو يعتبر أن ما قام به هو ابسط واجباته كواحد من الناجين من المذبحة التي لا تزال مفتوحة ضد شعبه.
ولعل جهده في تعظيم حضور الشهود الدوليين، وفي التواصل مع الذين لا يستطيعون القدوم، قد أسهم إسهاماً ممتازاً بتحصين القضية، ومنع سقوط المذبحة والسفاحين المسؤولين عنها في غياهب النسيان.
تحية إلى هذا المجاهد الصامت في زمن الثرثرة التي تحسم من القضية ولا تضيف إليها.
نشر هذا المقال في جريدة “السفير” بتاريخ 29 آذار 2013