تكاد كلمة “فلسطين” تختفي من الخطاب الرسمي العربي، الا في مناسبات كرنفالية، كافتتاح اعمال الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة في منتصف ايلول من كل عام، واللقاءات الروتينية للاجتماعات الدورية في اطار جامعة الدول العربية او البيانات الانشائية للقمم العربية، وبالعبارات ذاتها تقريباً، التي لا تعني شيئاً.. ويمكن نقلها، بلا عناء، من بيان سابق إلى بيان لاحق.
تم “تذويب” الثورة عبر المساومات مع الدول العربية، وانهت منظمة التحرير الفلسطينية دورها التاريخي عبر اتفاق اوسلو الشهير الذي تباهى “مهندسه” ابو مازن ـ محمود عباس ـ بانه استطاع وعبر اتصالات هاتفية مفتوحة مع قائد الثورة ـ رئيس منظمة التحرير ـ والزعيم التاريخي لحركة “فتح” ياسر عرفات أن ينهي الصراع الذي دام نحو مائة عام خلال سبع ساعات فقط لا غير!
وعبر سنوات ما بعد “اتفاق اوسلو” تحول “الثوار” إلى “رجال شرطة” و”مخابرات” على شعبهم، يعملون بتنسيق مفتوح مع سلطات الاحتلال الاسرائيلي، على مدار الساعة: يقمعون الاحتجاجات، ويلقون القبض على من يشتبه بأنهم يخططون لتنفيذ عمليات استشهادية ضد قوات العدو الاسرائيلي ومخابراته وعملائه… لأنهم يعتبرون أي تحرك ضد جيش الاحتلال عملاً عدائياً ضد “السلطة الوطنية” التي لا سلطة لها على أي شبر من ارض فلسطين.
ومن الطبيعي أن “تذوب” هذه السلطة التي لا تملك قرارها، ويأتيها الزوار الاجانب متعجلين، كما الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي أمضى يوميان في زيارة دولة العدو، واخترق العرف الذي يلتزم به الزوار من الرسميين الاجانب فيتحاشون زيارة حائط المبكى منعاً لالتباس هذه الزيارة مع احتمال الاعتراف “بالقدس الموحدة عاصمة ابدية لإسرائيل”، كما يزعم قادتها ودعاتها ومناصروها.
وللأمانة، فان سقوط كلمة فلسطين من البيان الرسمي كما من التصريح الشخصي للقادة العرب ومعاونيهم ليس من مسؤولية “السلطة” بل انه نتيجة الصراعات العربية التي طغت على “القضية المقدسة” وغطت عليها.. فحكام العرب مشغولون بأنفسهم وبمواقعهم المذهبة، وهم قد وجدوا في قضية فلسطين استثمارا مجزياً، في ما مضى، فاستثمروها فلما بارت تجارتها تخلوا عنها واسقطوها من جدول اعمالهم، بل لعلهم “باعوها” بثلاثين من الفضة.
يكفي الاستماع إلى نشرة اخبارية مذاعة او متلفزة، او استعراض عناوين الصحف العربية واغلفة المجلات المذهبة، لكي نتبين بوضوح أن الموضوع الوحيد الذي شغلها حتى احتكرها هو الصراع ـ العقائدي ـ الفكري ـ السياسي العميق الذي تفجر عنيفاً وبلا سابق انذار بين المملكة السعودية ومن معها والامارة المن غاز قطر، التي لم تجد لها نصيراً الا تركيا، ولم تجد وسيطاً بالثمن الا الولايات المتحدة الاميركية التي اغتنمت المناسبة لعقد صفقات جديدة تشمل إلى الطائرات المدنية بعض الهبات والشرهات لزوارها الكبار بقيادة وزير خارجيتها (الذي لم يستقل ولم يخلع بعد)..
أين تقع فلسطين في هذا الصراع على المصير؟!
وأين تقع فلسطين في اهتمامات السعودية (ومعها دولة الامارات العربية المتحدة) التي ترى أن “تحرير” اليمن من شعبها بالحرب (ومعها الكوليرا) اولى وأجدى وأبدى من العمل لتحرير فلسطين، او ـ اقله ـ لتثبيت سلطتها البلا سلطة؟
وأين تقع فلسطين على جدول اعمال النظام العراقي الغارق في همومه الثقيلة وحربه المفتوحة على “داعش”، وقد انجز أخطر معاركها بتحرير مدينة الموصل وها هي قواته تتقدم لتحرير مدينة تلعفر بينما يثير الاكراد، مرة أخرى، وبحدة غير مسبوقة، مسألة انفصالهم عن دولة العراق لإقامة دولتهم الخاصة بعد اسقاط الصيغة الاتحادية المعمول بها الآن.
وأين تقع فلسطين على جدول اعمال سوريا الغارقة في الحرب فيها وعليها، والتي تشغلها عن كل ما يجري خارجها.. ومن ضمنها الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة عليها، خلال عصر انهماكها بمواجهة عصابات الارهاب المسلح بالشعار الاسلامي والتي تقاتل في انحاء عديدة… ونشهد حاليا بعض فصولها في سلسلة جبال الشرقية، والتي انقسمت إلى جبهتين: احداهما لبنانية تشمل جرود رأس بعلبك والقاع، يخوضها الجيش اللبناني منفرداً بعدما انجز مقاتلو حزب الله دورهم في جرود عرسال، والثانية سورية وتشمل باقي الجرود ويخوضها الجيش السوري مع مقاتلي “حزب الله”.
*****
مع التمني بأن يتذكر الاخوة الفلسطينيون قضيتهم المقدسة فيوقفون صراعاتهم الدموية العبثية في مخيم عين الحلوة، التي كلما هدأت وجدت من يفجرها من جديد.
ليس لفلسطين الا شعبها.. حتى يعود العرب إلى عروبتهم وعنوان العروبة فلسطين..
ينشر بالتزامن مع السفير العربي