كأنما بقرار “مجهول المصدر”، يتم النفخ ومنذ فترة غير قصيرة في رماد الحرب الاهلية، عبر تصرفات وقرارات عشوائية، بل ربما كانت مقصودة لتسميم الاجواء واستنفار العصبيات الطائفية والمذهبية بعناوين سياسية، ابرزها ـ في هذه اللحظة ـ حادثة قبرشمون التي ذهب ضحيتها قتيلان وعدد من الجرحى.. و”هيبة” الدولة، و”حرية” جبران باسيل في التنقل بين مختلف المناطق بوصفه ولي العهد والمزيج المذهب من بشير الجميل و”جنرال التمرد” ـ قبل الرئاسة ـ العماد ميشال عون.
لطالما كانت “الفتنة” استثماراً مجزياً في البلد ذي التوازنات الطائفية والمذهبية الهشة، خصوصاً وان الزعامات السياسية تعيش بها وتعتاش منها وتديم وجودها كمرجعيات في الدولة وركائز لنظامه الفاسد المفسد.. إلى الابد!
لكل طائفة مرجعيتان سياسيتان، مع احتياط استراتيجي بعنوان المرجعية الشابة والواعدة، متى حان الوقت.
انظر إلى الخريطة السياسية الآن:
الموارنة بقيادتين، اولاهما عونية ـ باسيلية، والثانية قواتية جعجعية، في حين يقبع سليمان طوني فرنجية في الاحتياط.
السنة ـ لا زعامة مفردة بعد جيل “الكبار” او تواريهم بالاغتيال المنظم، او بالتقدم في السن: صائب سلام، رشيد كرامي، سليم الحص وآخرهم رفيق الحريري.
الشيعة ـ بقيادتين، حركة “امل” و”حزب الله”، وبقايا الاحزاب الوطنية والتقدمية (الحزب الشيوعي، الحزب السوري القومي الاجتماعي، منظمة العمل الشيوعي الخ)
أما الدروز فانقسامهم بين جنبلاطي ويزبكي تاريخي، وكان الاصل انقساما بين القيسيين (ارسلان ومن معه) واليمنيين (جنبلاط ومن معه)..
وأما الروم الارثوذكس فقد اقتنعوا بقوة الامر الواقع أن لا حظ لهم في أي موقع رئاسي، فارتضوا بمنصب نائب الرئيس في الحكومة وفي المجلس النيابي و”الصوت المرجح” في أي انتخابات..
وأما الكاثوليك فقد انصرفوا إلى التجارة والاعمال مرتضين بنصيبهم (كأقلية) في بعض مواقع السلطة.
وأما الارمن الذي جاءوا لبنان “لاجئين” بعد المذابح العثمانية، فانهم حرفيون ممتازون، ولهم مجتمعهم الخاص، وطموحهم السياسي يقف عند حد العدد.
وتاريخ لبنان الصغير (الامارة المعنية ثم الشهابية) كان في السياسة شراكة درزية (لها السلطة) ومارونية (لها حق المشورة في القصر والتجارة والزراعة وشيء من الصناعة خارجه).
أما بعد ضم الاقضية الاربعة إلى “لبنان الكبير” بعد “المتصرفية” فقد وضعت ركائز طائفية ثابتة للنظام الجمهوري في ظاهره، الملكي في مضمونه: الرئاسة الاولى (ومركز النظام وقيادته) للموارنة، ورئاسة المجلس النيابي للشيعة ورئاسة الحكومة للسنة، والوزارات توزع طائفيا هي الأخرى.
وليس الا بعد مؤتمر الطائف في العام 1989 حتى تمت اعادة صياغة النظام فتمت اعادة صياغة الصلاحيات بحيث تعزز وهم الشراكة، وان بقي رئيس الجمهورية وحده محصنا بالعصمة.
و”عصمة الرئيس” تشمل اصهاره، او المفضل والمقرب منهم، وهكذا غدا جبران باسيل صاحب فخامة من دون عصمة، وصاحب قرار من دون توقيع، وحاكما بأمره من دون مسؤولية ومن دون قدرة على محاسبته.
تحية للجيش في عيده.. وكل استقلال وأنتم بخير.
(بالإذن من السفارة الاميركية، ومعها من باب اللياقة السفارة الفرنسية، ثم سائر السفارات لا سيما لعربية المذهبة منه)