يطالب المتظاهرون أهل السلطة بأن يعترفوا أنهم قد فقدوا ثقة الناس، وأن على الحكومة الحالية أن تستقيل مفسحة المجال أمام اختيار قيادة جديدة في الحكم تعيد تحديد أولويات العمل الحكومي.
اعترف الذين توجهوا بالكلام إلى المنتفضين في الشارع، من المشاركين في السلطة، بالتقصير في مسؤوليتهم بسبب “التعطيل” الحاصل والذي يعيق قدرتهم على الإنجاز ضمن التركيبة القائمة للحكومة وفق التحالفات السياسية المعقودة داخلياً وخارجياً.
هنا بيت القصيد: فعجز أهل السلطة عن ابتكار تركيبة جديدة لهم في الحكم، هو مصدر الفراغ الذي يضعونه مكابرة برسم الشارع.
إن عجزهم عن تشكيل حكومة عند كل استحقاق هو المصدر الحقيقي للفراغ.
وفي كل مرة يغوصون فيها في تأليف حكومة جديدة، يقومون بذلك أمام كم من التحديات والتعقيدات البنيوية ركيزتها أن يتمثل الجميع في الحكومة.
وفي كل مرة، يدخل البلد في الفراغ ريثما يقومون بالتسويات المطلوبة للخروج بحكومة عاجزة منذ ولادتها عن الإنجاز ومرهونة باحتمال قيام أي من أعضائها بتعطيل عملها.
هذا ما كان يحدث في المرات السابقة، في أوضاع “طبيعية” تحتمل التفاوض على المقاعد وحصص الأفرقاء قبل تشكيل حكومة.
الأزمة اليوم، وسبب الخوف من “الفراغ” المزعوم الذي يرمونه في وجه الثائرين في الشارع، هو أنهم يتمسكون بتلك المعادلة التي أثبتت فشلها في كل مرة عند تأليف حكومة جديدة.
لا يدرك القابعون في السلطة بأنهم لا يملكون هذه المرة ترف الوقت، لأنهم يعملون تحت ضغط الشارع، ومماحكة الخصوم، وتدخل الخارج.
إذاً فالعجز عن تأليف الحكومة سريعاً قد بات مرتبطاً بتمسكهم في المقاربة المعتادة لتشكيلها، أي حكومة تنطوي تحت عنوان “الوفاق الوطني” يرضى بها جميع الأطراف السياسية.
أما الناس، فيطالبونهم بتأليف حكومة جديدة بوجوه موثوقة، أولويتها الخروج من الأزمة ورسم خارطة طريق لوضع البلد على سكة الاستقرار والإصلاح المنشود.
لن يتمكنوا من القيام بذلك لطالما أنهم متمسكون بإرضاء بعضهم البعض ومقاربة الموضوع على أنه إعادة توزيع للحصص والمكتسبات في الحكومة المرجوة.
الفراغ هو في التركيبة التي نعيشها في بلدنا منذ ما بعد إقرار اتفاق الطائف، حيث لا يتنازل أي من الأفرقاء السياسيين عن حصتهم في السلطة، تحت غطاء الطائفة والمذهب، للقبول بالصيغة المطروحة.
أما البيان الوزاري، فليس المطلوب أن يحمل اليوم سوى مطالب الشارع، وهي معالجة الأزمة الاقتصادية والعجز المالي والخروج من آتون التنازع الطائفي الذي يعطل تطور لبنان ليكون بلداً عصرياً يحقق طموح أبنائه.