لولا التحدي الصارخ الذي يشكله قرار مجلس الأمن الرقم 1559 حول لبنان، والذي يكاد يشبه فرض وصاية دولية على لبنان، ومعه وعبره على سوريا، لكان صوت الاعتراض على مد ولاية الرئيس إميل لحود أعلى بكثير مما ظهر أمس، سواء في الشارع أو في المجلس النيابي.
والاعتراض مبدئي بالأساس، ومنطلقه البسيط إلى حد العفوية هو احترام الدستور، والامتناع عن المس به أو تعديله إلا في الظروف القاهرة التي يمكن ان تعطل الحياة السياسية بل الحياة العامة كافة.
لقد رأى اللبنانيون في قرار مجلس الأمن، وهو أميركي في حقيقته وإن كان يحظى بدعم أوروبي مؤثر بعكس كل القرارات المتصلة باحتلال العراق، حيث كانت »أوروبا القديمة« ممثلة بفرنسا وألمانيا تواجه الإدارة الأميركية بقوة تدخلاً مرفوضاً في شؤونهم الداخلية يكاد يقارب إعلان الحرب على دولتهم الصغيرة…
بل لقد رأوا فيه محاولة مكشوفة لدفعهم إلى سلسلة من الحروب الأهلية بعضها في ما بينهم، وبعضها الآخر مع الفلسطينيين، وأخطرها مع سوريا، بما يحقق لإسرائيل مجمل الأهداف التي عجزت منفردة عن تحقيقها.
لكن هذا العنصر الخارجي الطارئ والذي فرض القبول بالقرار الاستثنائي بتعديل الدستور لإعطاء الرئيس اميل لحود نصف ولاية جديدة، لا يجوز ان يبدو كأنه نصر لأهل بيت الرئيس لحود على اللبنانيين، ولا يجوز بأي حال ان يتخذ طابع التحدي للمعترضين عليه في الداخل، فكيف إذا ما اعتبر كأنه »قهر« لإرادة العديد من المراجع الروحية والقيادات السياسية والأجيال الشابة التي كانت تتطلع إلى تغيير يتعدى شخص الرئيس إلى كل الطاقم السياسي الحاكم الذي ثبت فشله بالدليل الحسي القاطع، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؟!
فالتغيير هو الاصل، وهو المطلب، والتمديد استثناء فرضته الضرورة، ومن البديهي ان يتم تمرير الاستثناء بكثير من التواضع، بعيداً عن التحدي، بل وبما يشبه الاعتذار عنه بداعي الاضطرار إليه باعتباره في منزلة »أبغض الحلال«!
ومظاهر الابتهاج بالمفرقعات والألعاب النارية، ليل أمس، تسيء إلى الرئيس وإلى مؤيديه، لأنها تظهرهم كأنهم قد غنموا بالتحدي، وبقوة الغير ما ليس من حقهم.
… وهذه ليست بداية مشجعة لإميل لحود الثاني.
… وما أبعد اليوم عن البارحة، ولكم يختلف استقبال اللبنانيين لاختيار اميل لحود رئيساً للجمهورية قبل ست سنوات عن استقبالهم اليوم لمد ولايته ثلاث سنوات أخرى: لقد وصل سنة 1998 بما يشبه الإجماع، شعبياً ومن ثم نيابياً، وقوبل بترحيب عربي شبه إجماعي، وبقبول دولي عام، مما وسع دائرة الأمل بأن يكون عهده عهد الإنجاز والخروج من المأزق الذي يضيق من حول اللبنانيين أبواب الأمل والرزق.
أما اليوم فالامر مختلف جداً، وعلى الرئيس لحود شخصياً ان يبذل جهدا مضاعفا، من موقعه، لتبرير هذا المد الاستثنائي لولايته.
اولى المهمات ان يثبت للبنانيين انه سيكون، هذه المرة، رئيسهم جميعاً، لا خصم له ولا منافس كان ينوي »خطف الرئاسة« منه، ولا معارض منع عنه صوته، وبالتالي فإن »من حقه« ان »يعاقبه« مستغلاً موقعه السامي لأغراض شخصية، وليس له برنامجه الخاص لخطاب القسم المستحيل التنفيذ، ثم إنه مخالف للدستور ولا يتصرف كأنه الحاكم المطلق في نظام رئاسي.
وثانية المهمات ان يسعى لإعادة الوحدة الى الحكم بحيث لا تظل الرئاسة طرفا في مواجهة رئاسة الحكومة او مجلس الوزراء، بما يشرخ الإدارة ويعطل الإنجاز، ويزيد من غرق البلاد في دوامة الديون المنهكة التي تشد عليها الخناق اقتصادياً واجتماعياً، فتفاقم البطالة وتدفع الشباب الى الهرب لاستنقاذ حياتهم او الى المخدرات والجريمة كتعبير عن اليأس المطلق.
أما ثالثة المهمات وأخطرها فهي ان يعمل بجهد لمواجهة التحدي الدولي الذي يطرحه قرار مجلس الأمن، وذلك بتوطيد الوحدة الوطنية في الداخل، وبتوثيق علاقة التحالف مع سوريا بما يحصنها وذلك بأن يساعد على تطهيرها من الشوائب والاغراض ووجوه الخلل الفاضح فيها والتي تظهر الصداقة كأنها هيمنة وتظهر المصالح المشتركة كأنها منافع لأشخاص على حساب الشعبين، ثم بأن يصحح التعامل مع الفلسطينيين فلا نظل ننظر إليهم كأنهم »اعداء نائمون« لا بد من تشديد الحصار عليهم حتى لا يفيقوا فتكون فتنة!.
ان »اميل الثاني« قد تطلب حرباً دولية،
وعليه ان يكون عامل انتصار في هذه الحرب، لا ان يعتبر انه وهو الذي لا يطلب شيئا لنفسه قد ربح الحرب بمجرد تعديل الدستور ومد الولاية، ثم يخاطب من قاتل له لكي يبقى بالقول: اذهب انت وربك فقاتلا!
لقد أعطي اميل لحود الكثير الكثير، وقد جاءت ساعة الحقيقة، وعليه ان يرد الجميل للذين تحدوا العالم من اجل ان يبقى، وذلك بأن يساعد على تحصين البلاد وحماية وحدتها الداخلية، بكل التنازلات الضرورية، والأهم بحماية العلاقة الطبيعية مع سوريا بالعمل الجاد والدؤوب وبتأمين المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين، وليس بالخطب او بالتصريحات ذات الشعارات المدوية التي لا تطعم خبزاً ولا تنفع في الرد على حرب التدخل الدولي!.