وداعاً زينب
وداعاً أيتها المقاتلة التي قارعت الموت بعشق الحياة، فأرجأ اختطافها شهوراً، بل سنوات، بسلاح الضحكة المجلجلة وحب الناس والسعي بمطالبهم حتى العراك مع الوزراء والنواب والإدارات العامة والنقابات المتقاعسة.
وداعاً أيتها المناضلة التي تعاطت الصحافة كبديل من الحزب، مجتهدة لأن تكون «صوت الذين لا صوت لهم»، وقد نجحت فصارت مرجعاً لهم، وصارت «ديوان محاسبة» للحكومة والنواب والبلدية ولكل من ادعى أنه مسؤول.
وداعاً أيتها التي قاتلت المرض كما لم يقاتله أحد، واختارت ساعة رحيلها بإرادتها الحرة وتعبيراً عن قرفها من وطن يكاد مسؤولوه يغرقونه في الزبالة، ثم يخرجون على الناس متباهين «بتضامنهم» و «تحالفهم» عليهم، كاشفين أن خلافاتهم قد استنفدت غرضها وبات «الائتلاف» في ما بينهم ـ وعلى قاعدة طوائفية دائماً ـ هو سلاحهم الفعال في وجه «زينب» التي في كل بيت.
وداعاً أيها المقاتلة ضد اليأس، حتى لقد أرهقت المرض الذي يخاف الناس من ذكر اسمه فيومئون أو يشيرون بعيونهم وحواجبهم وأيديهم إليه، مع كمّ هائل من الأدعية بأن يتجنبهم عبر اختيار غيرهم.
ستكون «السفير» ناقصة من دونك، أيتها التي كانت حزباً بذاتها، بل عالماً كاملاً من «المناضلين» ضد الغلط والظلم، ضد الفساد والفاسدين، ضد المستشفيات التي كلما زاد إهمالها زاد دخلها، وضد المتاجرين بأمراض أهلهم.
سنفتقد ضحكتك المجلجلة أيتها «الوردة البرية» التي علّمت نفسها، ثم قررت الانتقال من النضال في الشارع إلى الجهاد ضد الكل عبر «السفير» ومعها.
وسيفتقدك الذين لا صوت لهم، وقد كنتِ لهم الصوت والصدى، وحملتِ قضاياهم وقاتلتِ الجميع من أجلهم.
لقد كنتِ بعض عناوين «السفير»… ولسوف نحرص على استبقائك في وجداننا، لأننا لم نعرف مخلصاً لقضايا الناس وهمومهم أكثر منك.
ولسوف تبقين معنا مثالاً للتي أعطت نفسها لمهنتها، وعلى طريقتها، وظلت صوت الناس ومحاميهم والمقاتل من أجلهم حتى الرمق الأخير…