تلقى رئيس تحرير “السفير” رداً من السفير التركي في لبنان ايضان كاراهان على ماك كتبه لمناسبة زيارة رئيس الحكومة لتركيا قبل أيام.
ومع كل التقدير للسفارة والسفير والعلاقات الودية بين لبنان وتركيا، فإن في الرد شيئاً من الخروج على الأصول الدبلوماسية، لاسيما في اللغة، إذ تضمنت عبارات لم نتوقع ولم نألف أبداً أن تصدر عن ممثل لدولة ورئيسها لدى دولة أخرى.
لقد كتبنا رأياً في سياسة الحكومة التركية إزاء العرب عموماً ولبنان خصوصاً، وهو رأي يسهل استنتاجه من المسلك الفعلي لتركيا “الحديثة”، وبمعزل عن “التوهمات المنحرفة والنزعات الدهرية المزمنة في أغلب الأحيان”.
قلنا ونعيد القول أننا لم نفهم أسباب الزيارة التي قام بها رئيس حكومة لبنان لتركيا، وهي الأولى من نوعها، وبالتالي فهي بحاجة إلى تبرير وتفسير، ليس فقط لأنها غير مسبوقة، وليس فقط لأن حجم العلاقات الاقتصادية والثقافية (؟!) لا يستوجبها، بل أساساً لأنها وقعت في ظل تهديدات أطلقها رسميون كبار في الدولة التركية بقصف لبنان وضرب شعبه، بحجة أن بعض الأكراد يقيمون فيه أو يمرون فيه عبوراً إلى مناف أخرى لا تطالهم فيها يد الموت التركية.
وتوقعنا أن تحفل الزيارة بما لا يرضي اللبنانيين، من اتهامات وتصنيفات، أبسطها تقصد الإفاضة في الحديث عن الإرهاب وإيواء الإرهابيين، وهذا ما حدث فعلاً بشهادة الصحف التركية ذاتها، إضافة إلى كللمات بعض كبار المسؤولين الأتراك.
لكننا لم نتوقع أبداً، ربما بسبب حسن نوايا، أن تتحول مجوهرات السيدة الحريري إلى موضوع أثير للصحف التركية، وأن يتم التركيز على الثروة الشخصية لرئيس الحكومة في مجال الحديث عن المساعدات التركية (؟!) المتوقعة للبنان.
كذلك فلقد ذكرنا في الافتتاحيات التي أثارت حفيظة السفير كاراهان واقعة تاريخية لا تنسى، هي تلك المتعلقة بالزيارة اليتيمنة التي قام بها مسؤول تركيا رفيع المستوى، وكان رئيس الحكومة التركية الراحل جلال بايار، إلى لبنان خلال عهد كميل شمعون والأحلاف الغربية التي كان يراد منها تركيع المنطقة وإخضاع إراداتها للأجنبي (وبالتحلف دائماً مع العدو الإسرائيلي).
وليس ذنبنا أن تكون تلك الزيارة قد تمت بغير رغبة من اللبنانيين فلم تلق منهم الترحيب المتوقع، اللهم إذا اعتبر البيض الفاسد والطماطم والشعارات المنددة والهتافات الغاضبة أساليب مستحدثة للترحيب بالضيف الكبير.
كذلك فلسنا المسؤولين عن التوتر الذي ساد دائماً علاقات تركيا بجيرانها العرب، وبالذات العراق وسوريا، والذي نجم دائماً عن اغتصاب السلطة التركية حقوق هؤلاء الجيران في مياه الفرات وأنهاء أخرى شاء القدر أن تنبع في الأراضي التي كانت أو التي صيرها التحكم الأجنبي تركية.
وبغير عودة إلى التاريخ، وهو في ما يتصل بالعرب والأتراك مثقل بالخطايا والأخطار والظلم والتجبر والاضطهاد القومي والديني، فإننا في ما سردناه وأشرنا إليه من الوقائع لم نجاف الحقيقة والموضوعية والعدالة… لكن صفحات التاريخ ذاته لم تسعفنا في أن نقدم ما هو أكثر إشراقاً.
ومشكلة السفير ايضان كارهان في أنقرة، ومع حكومته، وليست معنا،
والأمر نفسه ينطبق على أول رئيس حكومة لبنانية يزور تركيا العلمانية التي نقلها أتاتورك “من أول دولة في الشرق إلى آخر دولة في الغرب” محققاً بذلك إنجازاً تاريخياً باهراً، وهذا التوصيف لقلم تركي مجيد وليس لنا نحن الذين لا نعرف إلا لغة الشجار في الأزقة.
في أي حال لم يترك لنا الأخوة الأتراك، بعد حكمهم الطويل لبلادنا، الكثير من الجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث لكي نتعلم فيها ما يطالبنا به الآن السفير كاراهان، فعذراً.