تعمقت “الهزيمة” في وجداننا حتى كدنا نفقد الأمل بالنهوض مجدداً، لتحقيق النصر، أي نصر في أي قطر عربي.. وبالتأكيد فإن قصور الانتفاضة في تونس (2011) على خلع الدكتاتور بن علي وعدم اكتمالها بتغيير جذري للنظام قد أحبط الجمهور العربي، وان ظل أمله في أن تكون فاتحة عهد جديد في نفق الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة.
أما مع انتفاضة الميدان الرائعة في قلب القاهرة، والتي شارك فيها الملايين من الشباب والصبايا والكهول وحتى الشيوخ، فقد تبدى وكأن فجر الغد يطل على الأمة المتشحة بالخيبة وفقدان الثقة بأنظمتها مع العجز عن اسقاطها..
وصحيح أن انتفاضة الميدان في 25 كانون الثاني (يناير) قد خلخلت أسس النظام العسكري المهترئ القائم في مصر تحت شعار “الجمود أفضل ما يمكن الحصول” ولكن الصحيح أيضاً أن هذا الجمود قد فتح الباب (موارباً) أمام الإخوان المسلمين للقفز إلى سدة السلطة.
.. وهكذا وجد الجيش “العذر” للعودة، مرة أخرى، إلى السلطة بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي.
لكن مسار التاريخ لا يقبل الجمود، وها أن المواطن العربي ينتعش مجدداً، من دون أن يغادر الخوف، وهو يشهد تجدد النبض الثورة وعودة الجماهير في كل من الجزائر والسودان لتقول من قلب الشارع: الأمر لي، وليذهب السلطان، سواء أكان عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر أم الفريق البشير في السودان..
ولأن الجماهير قد تعلمت من تجاربها المرة، وباتت تخشى “غدر العسكر” الذين يحاولون التماهي معها وأداء التسليم بأهداف حركتها وأولها “اسقاط النظام” بكل مكوناته، وليس فقط خلع الرأس واستبداله بضابط آخر فهي ترفض مغادرة الشارع إلا بعد أن تتأكد أن مطلبها الأساسي بعودة الوطن إليها قد تحقق.
أن شعب الجزائر في شوارع المدن والقصبات في مختلف أنحاء البلاد وليس في العاصمة فحسب.. وهو قد رفض مخادعة الرئيس المقعد عبد العزيز بوتفليقة، وأصر على استقالته، ثم رفض مخادعة الجيش عبر الإتيان برئيس جديد منه سيشكل امتداداً “لعهده”، فعاد إلى الشارع وهو باق فيه حتى يتخلص من “النظام القديم” بالكامل، ويستعيد بلاده ليقوم فيها حكم يستحقه المليون شهيد الذين بذلوا دماءهم رخيصة من أجل تحرير الجزائر من الحكم الاستيطاني الفرنسي المتوحش وإعادة البلاد إلى أهلها الغارقين في بؤس البطالة والعوز إلى حد الهجرة إلى أرض مستعمرهم القديم فرنسا لينظفوا فيها الشوارع ويكنسوها.
كذلك فإن شعب السودان الطيب وكاره العنف قد ضاق ذرعاً بالدكتاتور الذي تسلق السلطة بانقلاب عسكري، ثم أخذ يجدد ويمدد لنفسه بنفسه حتى كاد ـ بذاته ـ يصبح التاريخ الحديث لهذه البلاد ذات النيلين (الأزرق والأبيض) وذات المساحة الشاسعة التي يمكن، لو احسنت زراعتها والعناية بمحاصيلها من القمح والفستق والخضار والفاكهة، فضلاً عن النفط، لأمكن أن تتقدم بسرعة وتبطل جدوى الحركات الانفصالية التي شقت الجنوب عن الوطن الأم، وجدوى الاستثمارات العربية التي تحاول غواية أهل الشرق بالانفصال.
أن الوطن العربي جميعاً يضج بهتاف الثوار، والآمال بالتغيير الحاسم تنتعش مجدداً، وان كان الحذر يسابق التمني من أن تجهض الثورات أو تحرفها ضغوط الخارج عن مسارها الصحيح نحو تحقيق آمال هذه الشعوب التي تمتلك أرضها خيرات هائلة، والتي يهجرها شبابها إلى أي بلد يستقبلهم سعياً وراء المستقبل الأفضل.
لنأمل أن نكون قد اقتربنا في وطننا العربي ـ أخيراً ـ من فجر الغد الأفضل.