أشرس أعداء الثورة هي السلطة. السلطة بالتوهم والتمني، كما في الداخل الفلسطيني، أو السلطة بتجاوز الأصول والأعراف، كما وقع للثورة الفلسطينية في لبنان حين اندفع بعض قيادتها إلى التيه مفترضين ان حسن الضيافة يشمل قبول الضيف حاكماً أو متحكماً، بينما القصد تمكينه من الوصول إلى بلاده لتحريرها من عدو الأمة جميعاً.
فالسلطة أشد فتكاً بالثورة والثوار من العدو الوطني والقومي وحتى الديني.. وعندما أخذ الحَوَل السياسي الثوار، وبذريعة التعب من الجهاد، إلى بيع الثورة، بالسلطة كانت تلك نهاية الثورة وحلم تحرير الأرض، صار الثوار شرطة إضافية للاحتلال الإسرائيلي، وصارت السلطة رهينة قرار العدو، تواجه شعبها نيابة عنه وتعفيه من مسؤولياته كقوة احتلال.
لا تموه كلمة «الوطنية» طبيعة السلطة تحت الاحتلال. انها شرطة تعمل لحساب العدو. تقمع شعبها للحفاظ على «الأمن»… ويوماً بعد يوم تسقط الفروقات بينها وبين جيش الاحتلال الذي تعمل بإمرته ولحسابه، فتضيع القضية ويتهاوى حلم التحرير ويلتهم الجوع أهداف النضال.
وعندما تصير «زيارة» صفد أمنية لإبنها «الرئيس» الذي أخرجه منها الاحتلال بالقوة أول مرة، ثم أخرج نفسه منها طوعاً، مرة ثانية، طالباً «زيارتها» كعابر أو كسائح، تكون السلطة على وشك ان تقضي على حلم التحرير، او ما تبقى منه.
وصفد هي عاصمة الجليل الأعلى وأكبر مدنه، وبعدها تجيء الناصرة.
ولصفد رصيدها التاريخي المعروف وإسهامها في الثورة عبر أبنائها مشهور، وأبرزهم، الدكتور وديع حداد، رفيق الدكتور جورج حبش وصديق عمره، وبطل العمليات الفدائية الاستثنائية في بابها، وأخطرها خطف الطائرات التي تقصد تل أبيب، وتفجيرها ـ بعد إنزال الركاب منها، في سياق الجهد لمحاصرة العدو وإجباره على وقف اضطهاده شعب فلسطين بالقتل والأسر وتهديم البيوت ومصادرة الأراضي.
وصفد هي مدينة «شامية»، إذ كانت المركز التجاري وصلة الوصل بين عكا والشام، ومن هنا فإن نسبة ملحوظة من عائلاتها «شامية» الأصول.. كذلك فإن معظم الصفديين قد نزحوا في اتجاه سوريا عندما أجبرهم سلاح الاحتلال الاسرائيلي على الخروج من وطنهم ـ الجنة: فلسطين.
وفي صفد كان ثمة حي يهودي لم يؤذ أهلها احداً من سكانه، ولم ينتقم منهم ضحايا الاضطهاد الاسرائيلي للفلسطينيين.
هذا العدد من «فلسطين ـ السفير العربي» عن القضية والسلطة، وكيف اغتالت السلطة مشروع التحرر الوطني.. ولعل فيه ما يفسر لماذا صار ابن السلطة المولود في صفد يقف عند باب المحتل طالباً الإذن بزيارة مسقط رأسه، متعهداً ألا يطالب بحق العودة والإقامة بل حق الموت وأن يدفن في أرض آبائه والأجداد.
ورحم الله القائد الذي جاءت به الثورة ثم اغتالته السلطة.