… وعندما صارت «الثورة» سلطة سقطت فلسطين شهيدة.
لم يعد من مكان للثوار. من دخل صار موظفاً، بل شرطياً في خدمة الاحتلال، بغض النظر عن النيات وذكريات أيام النضال، ومن بقي في الخارج عاد «لاجئاً» يبحث عن «جواز سفر» يتيح له أن يبتعد عن ذاته، وعن إغراءات أن يكون ما كانه وما كان يريد أن يكونه في زمن الثورة.
لا مجال للجمع بين الوطن والاحتلال.
لا مجال لتوحيد المناضل ضد الاحتلال والشرطي الذي تفرض عليه وظيفته أن ينفذ قرار مستعبده وصاحب الامر في كل شؤونه: من علاقته بأرضه، التي ما تزال محتلة، إلى علاقاته برفاق نضاله القدامى الذين سيتوزعون بين المنافي البعيدة محتفظين بفلسطين قلادة في أعناقهم سيعهدون بتحريرها إلى الأجيال التي سوف تأتي.
الثورة تنجب أبطال التحرير، والسلطة تحولهم إلى شرطة.. في خدمة الاحتلال، ومهمة الشرطة، في أرض محتلة، أن تقمع الثوار، ومن الظلم أن نطالب الشرطة بمهمات التحرير.
عندما تم التوقيع علـــى اتــفاق أوسلو قرع جرس الانصراف للمناضلين. مــن ارتضى أن «يدخل» بشروط الاحتلال لن يستــطيع أن ينقضها وقد صار أسيرها، رهينــتها، وعليه أن يخضع لها حتى لا يطرد من جنته الموعــودة، فيعود شريداً طريداً يصعب عليه أن يتدبر «الملجأ الآمن».
المأساة أن الثورة التي صارت سلطة أعادت شعب فلسطين إلى أسر الاحتلال وهي تفترض أنها قد حررته.
من يحتاج إلى تأشيرة المحتل لكي يدخل إلى وطنه لا يستطيع الادّعاء انه بطل تحرير.
وقد يعثر أهل السلطة على ألف عذر لتبرير «الدخول إلى الوطن» و«التخلص من عقدة اللاجئ»..
وقد يكون التسليم بأن تكون «لاجئاً في أرضك» تعيش عليها وتنشئ أبناءك فوق أرضها، وتموت فيها، الخيار الأفضل من أن تكون لاجئا خارجها، مضطهداً من أهلك، مصادرة أحلامك ومقموعة نيتك في التحرك من أجل النضال للعودة.
الشهيد الأول للسلطة هو عروبة شعب فلسطين، وأكثر ما أراح أهل النظام العربي وجعلهم يرحبون بـ«السلطة» أنهم قد تخففوا من أثقال القضية المقدسة وصار بإمكانهم ان يرددوا الاتهام القديم: وماذا نفعل إذا كان الفلسطيني قد تخلى عن ثورته وعاد بشروط الاحتلال؟!
هذا العدد من فلسطــين عن «الســـلطة» التــي اغتالت الثورة ولم تربح غير الأوهام ومــعها قيود الاحتلال الاسرائيلي، بينما «القضية» تنتظر أبطالها الــذين ســوف يأتون كما أتى الذين قبلهم، وهذه المرة من داخــل الداخل.
أما محور «مدائن فلسطين» فهو عن «أقحوانة الجليل» مدينة الناصرة حتى لا ينسينا الاحتلال اسماءنا وهويتنا الأصلية.