هان العرب على أنفسهم، فقبعوا داخل بلادهم يمتصون شعورهم بالمهانة ويتنفسون خيباتهم وهم يندبون مستقبلهم: لقد انقضت أيام العز و”ارفع رأسك يا اخي فقد مضى عهد الذل والاستعباد”… وها هو الاستعمار، جديده والقديم، ومعهما وضمنهما العدو الاسرائيلي، يتحكم بحاضر الامة ومستقبلها الموعود.
ها هي بلادهم بين المحيط والخليج وقد عادت إلى أسر الاستعمار، جديده المتقدم والقوي، الأميركي ومعه العدو الاسرائيلي، و”قديمه”، بريطانيا وفرنسا، ومعهما العدو الاسرائيلي..
بل أن بلادهم قد اصبحت ارضاً مفتوحة لكل قادر على أخذها بالقوة أو بالحيلة المكللة بالدولار، أو بالسلاحين معاً!
.. حتى أن تركيا أردوغان تحاول استعادة “أمجاد السلطنة العثمانية” التي لا ينسى الشعب العربي مراراتها وذكرياتها السوداء.. وهكذا فإن السلطان الجديد “اردوغان” يبعث بقواته العسكرية، معززة بمرتزقة من اللاجئين السوريين إلى تركيا، لاحتلال ليبيا أو ما تيسر من أرضها هائلة الاتساع، و”يحالف” اكراد العراق ضد الحكم في بغداد، بينما هو يطارد بآلته الحربية أكراد تركيا الذين يشكلون 25 في المئة من السكان، ويندفع هذه الأيام لمهاجمة الجيش السوري في جنوب بلاده، متحالفاً مع بقايا “القاعدة”، عبر “جبهة النصرة” وما ماثلها من التنظيمات الارهابية.
كذلك فإن “السلطان” أردوغان يحاول مدّ نفوذه إلى ليبيا الممزقة والمنهوبة خيراتها، متحاشياً التصادم هناك مع “الدول” ذات المصلحة في الافادة من النفط الغزير، واستعادتها كولاية تابعة لسلطنته. وهنا كما في سوريا، يتجنب أردوغان التصادم مباشرة مع الروس الذين يسعون بدورهم إلى النفط الليبي واستعادة ما كان لهم من نفوذ ايام الراحل معمر القذافي.
“السلطان” يهوى المقامرة ويعيش في تاريخ مضى ولن يعود.. لهذا يهتز تحالفه الوثيق مع مهووس البيت الابيض في واشنطن دونالد ترامب، كما يتصدع تفاهمه المستجد مع قيصر روسيا بوتين، ويستفز معظم العرب (ما عدا قطر التي له فيها قاعدة ضمن القاعدة الاميركية الكبرى في العيديد..).
ولعل بين ما يغري أردوغان أن العرب منقسمون إلى حد التشتت وافتقاد القيمة وشعورهم بتاريخهم وقدراتهم وحقهم بالحرية والاستقلال وصنع مصيرهم وبناء دولهم الممزقة والمطموع بخيراتها، بناءها بقدراتهم بدلاً من الارتهان للخارج، والتوسل في طلب الحماية الاميركية، ولو عن طريق العدو الاسرائيلي.
وها أن مغامرات أردوغان تهدد علاقات بلاده بروسيا، التي توطدت مؤخراً بعد فتور علاقاته مع الحليف الاكبر، الولايات المتحدة.. ومن باب النكاية، فقد اشترى من الروس الصواريخ الجبارة (S-400) ثم عاد إلى الاميركان والى الحلف الاطلسي مصالحاً ومستغفراً، محاولاً الاستفادة من التناقضات.. لكن التوتر بدأ يلف علاقاته بروسيا من قبل أن يعود الصفاء إلى علاقاته مع واشنطن، وان كان الطرفان حريصين على حمايتها.
على أن المؤكد أن الاوضاع السياسية العامة التي يعيشها العرب في ظل انقساماتهم ومجافاة بعضهم لبعض، وتخوف أغنيائهم بالنفط والغاز من تطلعات اخوانهم الفقراء، يغري بهم القوى الدولية جميعاً ومعها الامبريالية الاميركية وأحلام الرئيس التركي الذي لا يمانع من أن يرتدي ثوب السلطان ويحكم العرب باسمه، خصوصاً الاغنياء منهم كما قطر، أو سوريا التي اقتطعت منها تركيا لوائي كيليكيا واسكندرون، وتحاول “التعويض” الآن بالاستيلاء على سوريا جميعاً..
والحق أن اردوغان يحاول الافادة من موقع تركيا الاستراتيجي، كصلة وصل بحرية ـ برية بين اوروبا والعرب بعنوان سوريا والعراق وسائر الاقطار المجاورة لهما، والتي كانت ضمن “املاك” السلطنة العثمانية.. ولعل تصرفاته المتعالية والنزعة إلى السيطرة تعود الى أنه استطاع الوصول في لحظة قدرية إلى رئاسة بلدية اسطنبول، ثم استغل فوضى الانقلابات العسكرية التي توالت على تركيا ليقفز إلى رئاسة الحكومة، ثم ليطوب نفسه “سلطاناً”، وينطلق محاولاً استعادة أمجاد السلطان سليم في غير عصره..
وقديما قيل من طلب أكثر من طاقته عوقب بحرمانه من حاجته.
تنشر بالتزامن مع السفير العربي