ما زالت تركيا تعيش عقدة “السلطنة”… وغالبا ما ينسى اردوغان انه رئيس منتخب لتركيا ـ الجمهورية التي أسسها اتاتورك في أعقاب الحرب العالمية الاولى، والهزيمة التي منيت بها فيها مع المانيا.
على هذا فاردوغان، الذي انتدب نفسه لإعادة مجد السلطنة، وعلى “العرب” تحديداً، بعد الاكراد ومعهم، متناسياً الادوار التاريخية لهذا الشعب الذي بعثرته المقادير بين دول شتى: سوريا، العراق، تركيا الخ وكادت تتسبب في انهاء الرابطة “القومية” الجامعة بين ابنائه.. ومتجاوزاً الدور التاريخي المجيد لصلاح الدين الايوبي في هزيمة الاجتياح الصليبي في معركة حطين التي شكلت نقطة فاصلة بين عصرين.
إن الأطماع في سوريا معلنة، وتركيا قد تمكنت بعد تعهدها التزام الحياد في الحرب العالمية الثانية من الحصول ـ كمكافأة ـ على قضاءي كيليكيا واسكندرون من سوريا وضمهما الى “السلطنة” التي يتربع فوق عرشها، الآن “السلطان” اردوغان.
وبرغم أن هذا “السلطان” يعتمد السياسة العنصرية ذاتها التي اعتمدها السلاطين السابقون تجاه “الرعايا السابقين” في السلطنة، فانه يرفض الاعتراف بمواطنيه الاكراد الذين يشكلون حوالي الخمس من سكان تركيا.. فضلاً عن امتدادهم في شمالي وشرقي سوريا وصولاً إلى اقليم كردستان العراق الذي يشكل اهله مؤخراً (وعددهم يناهز المليون مواطن) نسبة ملحوظة من اهل شمالي العراق.
ها هو اردوغان الآن يشن الحرب على اكراد سوريا الذين يتمتعون، منذ فترة، بنوع من الحكم الذاتي داخل الجمهورية العربية السورية، ولهم ممثلون كمواطنين سوريين في مجلس الشعب السوري، ولقد سبق أن تولى رئاسة الدولة عدد من السوريين المتحدرين من أصل كردي ولعبوا ادواراً تاريخية في معركة تحرير سوريا من الاحتلال الفرنسي ثم في بناء دولة الاستقلال.
انها حرب على سوريا التي لم يستطع السلطان أن يقبل وجودها كدولة قوية، نسبياً على حدوده الغربية الجنوبية… وقبل سنوات وصل التوتر إلى حافة الحرب بين الدولتين حين استضافت سوريا معارضا كرديا للحكم في تركيا هو عبدالله اوجلان مما اضطر سوريا إلى اخراجه حيث ذهب إلى بعض دول افريقيا، وهناك اصطادته المخابرات التركية، فاختطفته.. وما زال في السجن حتى اليوم.
بل هي حرب على العرب جميعاً، في اقطارهم المختلفة، ملكية وجمهورية واماراتية (ما عدا قطر التي وطدت العلاقة مع تركيا، ومنحتها جزءاً من قاعدة العيديد بالشراكة مع القوات الاميركية.. مباشرة بعد اعتراف اميرها الوالد بدولة اسرائيل على حساب عروبته ومعها فلسطين).
..ولقد “استنكرت” الدول العربية هذا الاعتداء التركي الجديد على الارض العربية بعنوان سوريا ومواطنيها الاكراد.. لكن الاستنكار الاميركي والاوروبي كان أقسى وأكثر جدية وفورياً، بينما الدول الغربية، بالقيادة الاميركية، ومعظم دول اوروبا كان استنكارها اقوى وأعظم تأثيراً، خصوصا وانه تضمن التلويح بإعادة النظر في الامتيازات الممنوحة لتركيا.
لكن “السلطان” لم يوقف بعد توغل قواته التي اغارت على سوريا، برغم مواقف التنديد والاستنكار والشجب و”التهديد” بعقد اجتماع للجامعة العربية الغائبة بل المغيبة عن الدور والفعل، والتي سيكون اجتماعها مفرغاً من أي مضمون.. غير الشجب والاستنكار، خصوصاً وان عضوية سوريا معلقة ومقعدها شاغر في الجامعة المشلولة والمغيبة عن دائرة الفعل، بعدما نجحت “قطر العظمى” في “طرد” هذه الدولة المؤسسة الخاوية والتي يستمتع المندوبون العرب فيها بمنظر النيل الخالد واستذكار ايام أن كان في مكانها قاعدة عسكرية للاحتلال البريطاني، قبل أن ينبثق فجر ثورة 23 يوليو (تموز) 1952 مبشراً بوصول البطل التاريخي جمال عبد الناصر إلى موقع القيادة، بشعار “ارفع رأسك، يا أخي، فلقد مضى عهد الذل والاستعباد”.
ومؤكد أن تركيا ـ اردوغان قد خسرت “رصيدها” الذي كانت تحاول تجميعه، قبل أن يتولى السلطان اردوغان تبديده ، فيخسر الحليف الاميركي والصديق التركي ورصيد بلاده في مختلف ارجاء العالم، والاغراءات برخص السياحة والمواقع الجميلة على ضفاف الدردنيل.