لأول مرة في تاريخ هذا البلد الصغير يقرر اللبنانيون، جميع اللبنانيين، انهم وحدهم اصحاب القرار، مؤكدين هذه الحقيقة بنزولهم جميعاً إلى ميادين المدن وساحات البلدات والقرى ليقولوا: نحن هنا، والأمر لنا، نحن الشعب.
ولقد انتبه هذا الشعب انه ليس مجموعة من الطوائف والمذاهب والقبائل والعشائر بل هو واحد موحد، له اهدافه ومطالبه العادلة، يرفض التجويع ولصوص الاحتكار والاستغلال وحكم المصارف التي تزداد ثرواتها بأموال المنهوبين.
انتبه هذا الشعب المزورة ارادته، المنهوبة مصادر عيشه، المطرود من ارضه بقوة الإفقار، إلى المهاجر ليبني هناك بعرقه بلاد الآخرين مؤكداً انه قادر على الابداع والبناء بعرق الجباه وقوة الزنود..
انتبه هذا الشعب أن بلاده اولى بعرق التعب وابداع العقل والفكر الذي طالما نفع به وبنى في بلاد الاشقاء كما في البلاد البعيدة بينما كان، وما زال يفترض أن وطنه ـ اهله اولى بجهده من بلاد الآخرين، حتى لو كانوا اشقاء، او اقله أن بلاده اولى من غيرها بأن يعمل لها وفيها بحيث يجعلها، بالفعل لا بالقول، جنة الله في ارضه.
ولقد تأكد الوعي حين تحاشى الجمهور المليوني للمتظاهرين استفزاز الجيش والقوى الامنية التي تولت حماية تحركه في مختلف المناطق ونزوله إلى شوارع المدن والقرى، متحاشياً تلك التجربة البائسة التي شهدتها ميادين التظاهر، حين اخطأت بعض قوات الامن الداخلي فض التظاهرات واعتقال بعض الشباب والصبايا بوهم انها بذلك قد تتمكن من وقف حركة التاريخ، او من إلحاق الوهن بجماهير هذا الشعب الذي يُطارد بلقمة عيشه وبحقه في التعبير عن غضبه وثورته ورفضه لكل من يعمل على تزوير ارادته وتكبيل حريته بعدما سرق، طويلاً، لقمة عيشه.
إذا الشعب يوماً اراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
فهل السلطة هي القدر، او اقوى منه، ام انها لا تسمع ولا تعرف غير منطق القوة.. الا مع اعداء الخارج والمتاجرين بعرق اهل الداخل؟