»السفير« المتجول
******
لمناسبة اليوبيل الفضي، وقبل ان تكون لي استراحة محارب مع زميل كريم لا يزال في خطوط المواجهة القلمية مع الكلمة الجريئة ومع الحقيقة التي هي أمضى من السيف وأشد تأثيرا من تقنيات الموت المدمرة…
في هذه المناسبة لا بد من التوقف والعودة بعقارب الساعة الى الوراء لاستعادة امجاد الزمان الغابر يوم غزت جريدة السفير كل بيت واستطاعت اختراق الكم الهائل من الصحف اليومية التي كانت بيروت منبرها وسلطانها وصوتها وكم كان للصحافة اللبنانية في ذلك الحين أمجاد ومحطات… لا زلنا ونحن الذين هرمنا وغصنا في بحور الصحافة حتى رؤوسنا وولجنا عباب الكتابة حتى بتنا والقلم والورق ورائحة الحبر رفقة عمر وأصدقاء درب..
يومها أطل طلال سلمان بسفيره التي كانت أشبه بالسفير المتجول المتنقل من يد الى يد ومن قارئ الى قارئ..
وكم قيل في حينه، كيف تستطيع هذه الجريدة الفتية ان تخترق الخطوط الامامية في عالم الصحافة؟؟ التي كانت »الحياة« رائدتها عندما كان لي شرف الانتماء الى اسرتها بصفة كاتب ومدير مسؤول، وكانت »النهار« أيضا كالصباح المشرق و»الأنوار« منارة الكلمة والمحرر واليوم ولسان الحال وبيروت المساء الى جانب كبريات الصحف والمجلات التي بدأت أسماؤها تغيب عن الذاكرة، ففي هذه الفترة المجيدة من تاريخ الكلمة الحقيقية أطلت »السفير« بعفويتها وبراءتها وكأنها نوع آخر من المطبوعات وكأن محتواها ايضا مختلف عن كل ما عداها، فانهال عليها الناس اتباعا وقراءة حتى أضحى لها في صفوف اللبنانيين والعرب نخبة من القراء بدأت على شاكلة كرة ثلج ما لبثت ان كبرت حتى أصبحت صاحبة جلالة بحق وصاحبة صولجان بشرف دأبها الحقيقة وشعارها صوت الذين لا صوت لهم…
وهكذا استطاعت »السفير« ان تنقل صوت الذين لا صوت لهم الى صدارة الاصوات المتعالية في تلك الفترة راسمة للبنان خطوط وملامح التغيير من دون ان يعيرها اي مسؤول اهتماما حتى باتت مع بداية الاحداث الاهلية اللبنانية صوت الوطنيين اللبنانيين الشرفاء وضميرهم الحي ومنبرهم الذي لا يمكن ان تعتليه الاقزام..
ما نالته »السفير« من الرفعة والتقدم والازدهار ما كان ليحصل لو لم يكن على رأسها فرقد صحافي أعطى الكلمة الحقة هيبتها ومنح الجرأة الصحافية اصالتها وأغنى المادة الاعلامية بما منحه الله من القوة والشجاعة والاقدام والهيبة والاصالة والمواجهة..
ومع الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982 انفردت »السفير« في تبوّء صدارة المقاومة القلمية التي أعطت المقاومة الوطنية النبراس المشع وأنارت لها الطريق القويم للوصول الى المجد والانتصار الذي نشهده اليوم..
واذا كان قد تعرض لمحاولات اغتيال عدة فذلك لأن صوته وكلماته ومواقفه كانت سلاحا فاضحا لمخططات التقسيميين والوقوف حائلا دون تنفيذها…
ففي هذه المناسبة، مناسبة اليوبيل الفضي ل »السفير« لا يسعنا الا تقديم التهاني والتمنيات ان تبقى جريدة »السفير« رائدة الكلمة والموقف الجريء ويبقى الصديق والزميل الكريم طلال سلمان سفيرا متجولا في قلوب وعقول محبيه ويبقى قلمه وموقفه نقطة الفصل وصوت الذين لا صوت لهم…
محمد عبد الله عنان
السفير، 3131999