طلال سلمان

النقاشات الإسرائيلية المتناقضة عن الحرب وما يليها

غزة ـ حلمي موسى

وفي اليوم السادس والثمانين، تنتهي سنة 2023، فكل عام وأنتم بألف خير. ويحلّ رأس السنة الميلاديّة للمرة الثانية وغزّة تتعرّض لعدوان بشع. وفيما يحتفل العالم بهذه المناسبة، تعيش غزة تحت وطأة العدوان الأكثر وحشية. وبرغم الموت البادي في كل قذيفة وغارة، إلّا أنّ غزة المُحبّة للحياة ستجد طريقها حكما للاحتفال بنصرها على طريقتها. 

وعلى صعيد استمرار الحرب أو وقفها أو تغيير وجهتها، يبدو أن النقاشات تسير في اتجاهات متناقضة. فمن جهة، هناك حملة في اسرائيل ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أساسها أنّه يطيل الحرب لاعتبارات شخصية. وجوهر هذه الاعتبارات إنه لا يريد أن يخرج من الحياة السياسية كزعيم منكسر. لذلك هو يطيل الحرب، على أمل أن يحقق انجازات تُنسي الجمهور الإسرائيلي “نكبة 7 أكتوبر”. وهو يسعى لإبعاد هذا التاريخ عن ذهن الاسرائيليين.

ومن علامات ذلك، تمديد فترة إخلاء المستوطنين الإسرائيليين من غلاف غزة ومن الحدود اللبنانية إلى نهاية شباط المقبل. ويُكثر نتنياهو من الحديث عن استمرار الحرب لأشهر، وربما لأعوام آتية.

وفي جولة على أبرز ما كتب في الصحافة الإسرائيلية اليوم، يتبين نوع النقاشات الدائرة في الكيان، والمتعلقة بمستقبل غزّة من وجهة نظر العدو، علما أن المقاومة الفلسطينية تعيد التأكيد يوميا على شرطي وقف إطلاق النار قبل أي تفاوض، وبالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة. وفي التالي، بعض ما جاء في مقالات صحف العدو.

واليوم، كتب عاموس هارئيل في صحيفة “هآرتس” أن نتنياهو يعرقل التغيير الإستراتيجي في قطاع غزة، كما أنّه يعرّض إنجازات الجيش للخطر.

وأشار الى أنّه فيما تقترب المرحلة الحالية من العملية البرية من استنفاد أغراضها، كذلك يقترب نتنياهو من لحظة الحقيقة في إدارة الحرب – لكنه يلجأ إلى التقاعس السياسي، ويثير الصعوبات أمام مسار القتال. وإذا استمر هو وحكومته في الإصرار، فإن الضغط سيزداد على غانتس وآيزنكوت للعودة إلى المعارضة.  

إلى ذلك، فإن الحرب تدور من جهة فيما تدور اتصالات التهدئة وصفقة التبادل من جهة مقابلة. ويكثر الحديث في إسرائيل عن أن “حماس” لم تقل “لا” للمقترح القطري، وأن هناك احتمالا للتقدم وفق هذا المقترح.

وهذا ما بعث نوعا من التفاؤل الحذر في بعض الأوساط الإسرائيلية أساسه أن “حماس” لم تردّ حتى الآن سلبا على الاقتراح القطري. وهذا ما دفع نتنياهو للقول في مؤتمره الصحافي ليلة أمس: “نرى إمكانية للتحرك، لكنني لا أريد خلق توقعات كبيرة”.

من جهة أخرى، كتب المراسل السياسي لصحيفة “يديعوت أحرونوت” إيتمار ايخنر أن هناك تفاؤلا حذرا أعقب المحادثات بين رئيس الموساد وبين رئيس الوزراء القطري، مشيرا إلى أن “رئيس الموساد ديدي برنيع أعلن أن حماس مستعدة، من حيث المبدأ، للدخول في مفاوضات بشأن صفقة رهائن أخرى، وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مساء اليوم (السبت) أنه “يرى إمكانية للتحرك قدما”.

وردا على سؤال خلال مؤتمره الصحافي، قال نتنياهو: “إذا كان هناك اتفاق قائم، فسيتم تنفيذه. لا أستطيع أن أقول إنه تم التوصل إليه. لقد وجهت حماس جميع أنواع الإنذارات التي لم ننفذها”، مضيفا “لا أقبل. نحن نرى إمكانية حدوث تحول. لا أريد خلق توقعات مفرطة، ولكن الطريقة التي ندير بها الأمر، بمزيج من الضغط العسكري ونهج مستنير في المفاوضات، هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج”.

ويستند الاتفاق المطروح حاليا على “مخطط وارسو” – وهي المحادثات التي أجراها في بولندا رئيس الموساد ورئيس وزراء قطر محمد آل ثاني ورئيس وكالة المخابرات المركزية – والتي تم تحديثها مؤخرا مع التغييرات والإضافات.

وعلى الرغم من أن حماس ردت سلباً على الاقتراح المصري ـ الذي تضمن أيضاً عناصر في مسألة “اليوم التالي” في غزة، بما في ذلك تشكيل حكومة تكنوقراط لا تشكل حماس جزءاً منها ـ إلا أن “يديعوت” نقلت بأن الاقتراح القطري تلقى رداً إيجابياً من حماس. وذلك لأن الاقتراح القطري لا يتناول مسألة “اليوم التالي”، مما يترك لحماس احتمال أن تتمكن من البقاء في القطاع والتعافي. 

وفي الوقت نفسه، هناك حالة من عدم اليقين في إسرائيل تحيط بالاتفاق وحول إذا ما كان يعني من حيث المبدأ أن حماس قد تخلّت عن مطلبها بالوقف الكامل للأعمال العدائية كشرط للتوصل إلى اتفاق آخر. وفي إسرائيل يؤكدون أنه طالما ظل المطلب على حاله، فلن يتم التوصل إلى اتفاق.

وقد طلبت إسرائيل توضيحات حول هذا الأمر من قطر، ومن المتوقع أن تصل الإجابات خلال يوم أو يومين. وأكد مسؤول سياسي أنه لا يوجد حتى الآن ضوء أخضر لبدء المفاوضات، لكن هناك فرصة. “ليس هناك تفاؤل مجنون، ولكن هناك تقدم. انتقلنا من الثلاجة إلى أبرد درج في الثلاجة”.

وبحسب الاقتراح القطري، وهو اتفاق مؤقت يتضمن وقف لإطلاق النار لمدة أطول من الاقتراح الإسرائيلي الأصلي بأسبوع أو أسبوعين. ووفقا لتقارير مختلفة، عرضت قطر مهلة تتراوح بين 20 و30 يوما، لكن لا يوجد حتى الآن اتفاق على عدد أيام المهلة والمسألة مفتوحة للتفاوض. وتتمحور هذه الصفقة حول عودة نحو أربعين مختطفاً اسرائيليا، وتشمل النساء اللاتي تركن في الهدنة الأولى، فضلاً عن كبار السن والمرضى.

ومن المتوقع أن يناقش المجلس الوزاري السياسي-الأمني، بعد غد الثلاثاء، قضية “اليوم التالي”، بعدما تأجلت المناقشة التي كان من المفترض إجراؤها يوم الخميس الماضي في مجلس الوزراء الحربي، بسبب ضغوط من الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.

وهناك خلاف بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة حول هذه القضية، ويعتقد الأميركيون أن إسرائيل تتجنب مناقشة هذه القضية لأسباب سياسية داخلية. وسيطلب وزير الخارجية أنطوني بلينكن، الذي يصل إلى الكيان نهاية الأسبوع ويلتقي برئيس الوزراء ومجلس الوزراء الحربي، توضيحات بشأن هذا الأمر.

وأضافت يديعوت انه ليس لدى الأميركيين أجندة واضحة بشأن ما يريدون أن يحدث في غزة – لكنهم أوضحوا ما لا يريدون أن يحدث: التهجير غير القسري للفلسطينيين من غزة، لا الآن ولا بعد الحرب؛ لن يتم استخدام غزة كمنصة للإرهاب أو الهجمات العنيفة الأخرى؛ لن يكون هناك إعادة احتلال لغزة بعد انتهاء الحرب. لن تكون هناك محاولة لفرض حصار على غزة؛ ولن يتم تقليص مساحة القطاع.

وتعتبر واشنطن أنه يجب أن تكون هناك مشاركة للسلطة الفلسطينية في إعادة تأهيل القطاع على المدى الطويل، بعد أن يخضع لعملية إصلاح واجتثاث للتطرف وإعادة التأهيل. ومن دون حضور السلطة الفلسطينية في إعادة إعمار القطاع، فإن الدول العربية المعتدلة، وعلى رأسها السعودية ودولة الإمارات، لن ترغب في المشاركة في إعادة الإعمار.

وكما أن الأميركيين لا يملكون تصوراً شاملاً لما يجب أن يبدو عليه اليوم التالي، فإن إسرائيل أيضا ليس لديها تصور محدد. وكلف نتنياهو مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر بوضع خطة كاملة، لكن هناك كلام في إسرائيل بأن “كل الحديث عن اليوم التالي لهذه المرحلة هو لعبة. لا يمكننا أن نملي ما سيكون، إذ سيكون هناك السعوديون والإماراتيون والأمم المتحدة وحكومة داخلية من زعماء العشائر والبلديات. كل الأشياء التي تقال هي أفكار في الهواء. الشيء الرئيسي هو التأكد من عدم وجود حماس”.

كما أن هناك خلافاً بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن الانتقال من المرحلة الثانية من الحرب إلى المرحلة الثالثة منها. وفي خان يونس، يتم تكثيف العملية، وسيكون هناك تكثيف أكبر خلال المرحلة الثالثة. أما بالنسبة لشمال قطاع غزة، فستكون هناك تغييرات، حيث سيتم إعادة البعض إلى منازلهم ونقل البعض إلى خان يونس.

وما يقلق الأميركيين أكثر هو عدد المدنيين الذين قتلوا في غزة. كما يؤكدون مرارًا وتكرارًا أن المساعدات الإنسانية يجب أن تدخل القطاع بطريقة أكثر سلاسة وذات معنى. “في إسرائيل، نحن نتفق معهم، وكلا الأمرين سيحدث بغض النظر عن الانتقال إلى المرحلة الثالثة. لكن عدد الضحايا يرتبط بشكل مباشر بالانتقال إلى المرحلة التالية، لأنه بمجرد الانتهاء من المناورة البرية، سيتم أيضاً تقليل قنابل سلاح الجو المرافق لها.” 

وفي الوقت نفسه، تضاءلت المخاوف المصرية من تدفق سكان غزة إلى أراضيها. وعلى الرغم من أن 1.7 مليون من سكان غزة انتقلوا جنوبًا، وبعضهم إلى رفح، إلا أنه لا يوجد معبر إلى أراضي سيناء. “وفي كل الأحوال، ربما يتعين على إسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا لمنع التهريب، وإلا ستتآكل المكاسب”.

 

Exit mobile version