طلال سلمان

الناصرة بكنائسها

لا يحتاج المسلمون من العرب، داخل فلسطين وخارجها، المزيد من المساجد، فما أكثر المساجد وما أقل المصلين، وما أكثر المتعصبين الذين يكادون يخرجون الناس من دينهم، على سماحة الدين الحنيف ورحابته.
والذي جرى ويجري في الناصرة ليس اعتداءً على المسيحيين من أهلها فحسب، بل هو أساسا اعتداء على الإسلام نفسه وإهانة للمسلمين حيثما كانوا.
أما بالمعنى الوطني والقومي فما يحدث في الناصرة خدمة ثمينة للعدو الإسرائيلي يعجز عن أدائها أدهى رجال مخابراته وغلاة المتطرفين من المستوطنين المستقدمين من أقصى بقاع الدنيا ليقتلعوا الفلسطينيين من أرضهم فيحلوا محلهم فيها ويزوِّروا هويتها وتاريخ المنطقة برمتها!
لا يحتاج الإسلام والمسلمون إلى مسجد جديد في الناصرة، ولا يحتاجون إلى مثل هذا المسجد خاصة على حساب كنيسة، أو على حساب صورة المدينة التي اكتسبت القداسة بعدما سُمي نبي الله عيسى المسيح باسمها.
يحتاج الإسلام والمسلمون، والعرب منهم بالأساس، الناصرة كما كانت وكما بقيت عبر الأزمان: مدينتهم المشرَّفة بتاريخها (الذي هو بعض تاريخهم) و»بروح الله« الذي هو أحد أسمى أنبيائهم، وبأهلها الذين حفظوها وحافظوا على هويتها فيهم وعلى هويتهم فيها.
يحتاج الإسلام والمسلمون، والعرب منهم بالأساس، إلى الناصرة بكنائسها، تحديدا، وهي الكنائس التي حُفظت منذ فجر الإسلام وحتى اليوم، وأُعطي بعضها من الحصانات والحمايات ما لا تتمتع به إلا القلة من المساجد التي تعبق برائحة الأنبياء وآثارهم الطاهرة.
هل من الضروري الاستشهاد بسابقة الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب؟
والذين أعماهم التعصب والجهل والضلالة عن الاحتلال الإسرائيلي بكل ما أوقعه بهم وبأهلهم العرب، مسلمين ومسيحيين، داخل فلسطين وخارجها، من إهانة وإذلال وتشريد وتدمير لبيوتهم ولمعابدهم ومقدساتهم عموماً ودفعهم لتحدي إخوانهم في الناصرة، لا يمكن احتسابهم مسلمين صادقين يعملون لرفعة الإسلام باضطهاد إخوانهم المستضعفين مثلهم من المسيحيين.
مَن هان عليه وطنه لا ينفع في نصرة دينه.
فأول مبادئ الدين أن يقاتل المؤمن وأن يجاهد ضد العدو الغازي مستبيح الأرض والدار والتاريخ والدين، مشرد الآمنين في ديارهم، منتهك حرمات بيوت الله وبيوت الناس جميعاً، قاتل الأطفال والعجائز، محطم العظام وسفاح الأجنة.
ومَن ترك العدو الإسرائيلي آمناً في احتلاله وذهب ليعتدي على شريكه في الوطن وفي التاريخ وفي الإيمان بوحدانية الله، والذي قاتل معه الغزاة، وبينهم الصليبيون، وصمد معه وبه وحفظ هوية الأرض العربية وأهله… مثل هذا المعتدي ليس ضالاً ومضلاً فحسب، بل إنه موضع شبهة.
هي خدمة للعدو، ولا يهم كثيراً أن تكون مجانية أو مدفوعة.
وهي جريمة ضد فلسطين، وليست في أي حال »إنجازاً« من أجل الدين الإسلامي أو باسمه.
إنها واحدة من أفظع الإهانات التي تلحق بالإسلام والمسلمين، وبفلسطين والفلسطينيين والعرب أجمعين.
إنها جريمة أخطر من أن يُقدم على ارتكابها العدو الإسرائيلي، لأنه يخشى من أن ترتد عليه فتدمّر سمعته دولياً، وتستعدي عليه بعض من ما زال يراهن على »مدنيته« و»عدم« تعصّبه دينياً وعنصرياً..
وأي توصيف يليق بمرتكب مثل هذه الجريمة ليحفظ الإسرائيلي يديه نظيفتين؟!
إنها جريمة لحساب العدو، بقدر ما هي جريمة ضد الإسلام والمسلمين قبل أن تكون اعتداءً على المسيحيين.
وباليقين فإن المرجعيات الدينية الإسلامية جميعاً، في مصر ولبنان وسوريا وفلسطين وفي الديار المقدسة، من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة إلى القدس الشريفة، وفي المغرب العربي كله، من ليبيا وتونس والجزائر إلى المغرب الأقصى وموريتانيا، كلها مطالبة بأن تدين هذه الجريمة التي تنذر بالتحول الى كارثة.
إن الإسلام والمسلمين، والعرب منهم بالأساس، يحتاجون الى الكنائس وإلى إخوانهم المسيحيين لتوكيد إيمانهم.. أوليس حب الوطن من الإيمان؟!

Exit mobile version