لم يشهد لبنان خلال سنواته الاخيرة ما يشهده من الاضرابات واعتصامات الاحتجاج والتجرؤ على “المقامات”، مدنية وعسكرية، كهذه الموجة من التظاهرات والتصادمات “الرقيقة” بين “قوات مكافحة الشغب” والجماهير الغاضبة.
ولقد جمعت التظاهرات العمال والطلاب، كل لغرض، وكذلك المتقاعدين من العسكريين، ضباطاً ورتباء وانفاراً، والغاضبين من انقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب، في العاصمة كما في سائر المناطق، والاجراء المهددين بخفض الاجور او الصرف من العمل.. حتى ليمكن القول أن تظاهرات الغضب قد جمعت اللبنانيين بفئاتهم المختلفة في مداخيلها وفي مصادر رزقها..
هذا قبل أن نصل إلى المزارعين الذي يعز عليهم تصدير انتاجهم من الخضروات والفواكه والبطاطا الخ إلى دول الخليج العربي والجزيرة عن طريق البر، بسبب ارتفاع كلفة النقل ورسوم المرور.
الحكومة الثلاثينية استهلكت اسابيع طويلة في “مناغشة” مسودة الموازنة التي كان وزير المال يعمد إلى التعديل بالحذف والاضافة اثر كل جلسة لمجلس الوزراء..
والازمات تتفاقم فتصيب نتائجها اللبنانيين جميعاً بأضرار فادحة:
اسعار العقارات في تراجع، والعمارات التي بُنيت قبل سنوات بالدّين ما تزال تنتظر مشتري الشقق الذين لا يجيئون، وأهل الجبل احضروا الطبول وفرق الدبكة للاحتفاء بالمصطافين الذين لا يأتون..
..ورئيس الحكومة لا يكاد يغط حتى يطير: ذاهب إلى الرياض، عائد من قمة مكة، وفي الطريق بينهما محطة في باريس.
…ووزير الخارجية يجول في مناطق البقاع واقصى الشمال وصولاً إلى الجنوب، مروراً بالجبل، استعداداً لانتخابات نيابية بعد سنوات… ثم يتفرغ لشؤون الاغتراب والمغتربين الاثرياء والذين نسوا لبنان وأهله منذ دهور، وبالكاد ينطقون بكلمات عربية.
أما الحكومة فتنتظر المثول امام مجلس النواب، وهات يا مباريات خطابية مكررة ومعادة… تماماً مثل “الثقة” التي لم تُحجب مرة الا بالأمر، ولله الأمر من قبل ومن بعد..