يقدم فوزي صلوخ عبر كتاباته التي تكاثفت فأعطت قبل أيام الكتاب الثالث، تجربة مميزة لسفير لبناني أمضى ثلثي عمره تقريبا متنقلا بين دول بعيدة متعددة الثقافات والاهتمامات السياسية، فأفاد من ذلك كله كنزا من المعلومات والمعرفة بالشعوب، عاداتها وتقاليدها وتطلعاتها، وبحكامها والتحولات السياسية التي شهدتها والتي كانت تعكس بعض وجوه الصراع بين مراكز القرار في العالم.
واضح ان فوزي صلوخ لم يعتبر موقع الدبلوماسي، ملحقا فمستشارا فسفيرا، فرصة لممارسة الوجاهة ومتعة السياحة، وانه وجدها فرصة لان »يتعلم« و»يعرف«، فلم يضيع وقته في الشكليات والمناسبات الاجتماعية… وواضح ايضا أنه بنى صداقات مهمة مع شخصيات حاكمة ومع زملاء دبلوماسيين ومع وجوه الجاليات اللبنانية، لا سيما في أقطار افريقيا السوداء حيث خدم طويلا، ثم أفاد من ذخيرته هذه وهو يقرأ التحولات والانعطافات والانقلابات التي أحدثها انكسار توازن القوى القائم عالميا.
وأفترض ان قراء »السفير« قد أفادوا مثلنا من كتاباته التي تشرح وتفسر الكثير من التطورات، بالعودة الى ذاكرة ممتازة والى يوميات دقيقة، والى متابعة لم تنقطع لشؤون الدول التي عمل فيها، والى علاقات شخصية مع زملاء له غدوا في ما بعد في مواقع المسؤولية في بلادهم.
ان فوزي صلوخ يقدم نموذجا ناجحا للسفير الذي يقوم بخدمتين في آن واحد: يحمل معه الصورة الاجمل لبلاده، ويفيد دولته بالتقارير المثقلة بالمعلومات والتقديرات المبنية على قراءة تفصيلية لواقع البلاد التي يعمل فيها.
ولأن فوزي صلوخ لا يعرف »التقاعد« فهو ما زال على صلة بالاحداث والتحولات يتابعها ويرصدها من موقع المهتم والمعني ويحاول ان يقرأها مستعينا بخزين تجربته الغنية التي قرر ان يقدمها للناس، حكاما ومواطنين، لعلهم يفيدون منها.
الكتاب الجديد لفوزي صلوخ الدقيق الملاحظة والواعي في استنتاجاته يغطي مساحة واسعة جغرافيا وسياسيا، تدل عليها العناوين: أفريقيا، حلم الوحدة المستحيل موريتانيا. إسرائيل والقرار المستحيل، أميركا وحركات التمرد، انقلاب ساحل العاج: من ولماذا؟.. ليفي في المغرب: مسقط الرأس أوراق من تجربة شخصية في النمسا حزب الحرية وزعيمه هايد، والصهيونية جوسبان يتنكر لفرنسا السنغال: نجاح أبيض للديمقراطية في أفريقيا السوداء زمبابوي: التغيير المستحيل الديمقراطية المكسيكية الجديدة مثالا الانتشار اللبناني في أفريقيا الخ..
الملفت في هذا الكتاب الثالث »تحولات دولية في ظل العولمة« توكيد السفير صلوخ على بعض الملامح الشخصية ذات الدلالة: فالاهداء الى الوالدين »حيث يجثوان ويثويان بنعم السلام والطمأنينة«، و»ضيف الشرف« هي بلدته القماطية النموذجية في تركيبتها السكانية وفي جيرتها، فأكثرية سكانها شيعية ومحيطها مسيحي ماروني ومناخها السياسي درزي… ومن هنا ان والدي السفير قد علماه »إن الختيارة أم جورج هي خالتي والختيار بو الياس هو عمي وأم توفيق خالتي وأبو قاسم خالي وإمام الضيعة سيدي والخوري رئيس المدرسة أبونا«.
بعد رحلة العمر، وقد أمضى معظمها في الخارج، عاد السفير أكثر تدينا وإيمانا، وأشرس في مواجهة الطائفية.
ولقد أنصف الدكتور مهدي الحافظ المؤلف والكتاب بقوله في تقديمه: »جاء الكتاب مرآة صادقة لوصف وتحليل تجارب حية تعيشها بلدان كثيرة، وليقدم استنتاجات وآراء ثمينة لكيفية التعامل مع المتغيرات الجديدة في العالم في ضوء ما تفرزه ظاهرة العولمة من آثار وتداعيات..«.
فوزي صلوخ سفير للثقافة السياسية ولنقاء الايمان بالله والارض والناس.