طلال سلمان

الخليج:الخوف في القمة!

الخوف، الخوف، الخوف،
الخوف غيمة سوداء تغطي سماء الجزيرة والخليج،
من الكويت إلى السعودية إلى الإمارات إلى قطر فإلى البحرين يسيطر الخوف، ويحكم الحركة الخوف، ويدبج البيانات الخوف، ويحتل المنابر الخوف..
الخوف شبح يجوس في كل أنحاء تلك الأرض الغنية، فيكاد يمنع عن أهلها فرصة الاستمتاع بالثروة التي يذهب معظمها الآن ثمناً لسلاح لن يستخدم (اللهم إلا في اقتتال الأخوة، لا قدّر الله) وأجراً لحماية أجنبية مكلفة جداً ثم إنها تستولد أسباباً إضافية للخوف بدل أن تعيد الطمأنينة المفتقدة.
الخوف، الخوف، الخوف،
العلاقة مع الشقيق يحكمها الخوف، ومحنة الكويت أقسى من أن تطمسها بضع سنوات، ولعلها ستستهلك أجيالاً، وخصوصاً أنها قد تحولت إلى »مؤسسة« أو إلى استثمار مربح للعديد من الأطراف في الداخل وفي الخارج،
وها هو النفط يتدفق، مرة أخرى، من العراق، ولكن النفط لا يعيد العراق. العراق العائد مجرد بئر نفط، ولكن حتى العراق الأنبوب مخيف، للكويت وغيرها…
والعلاقة مع الجيران يحكمها الخوف، والتجربة المرّة مع إيران في الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) غدت جرحاً مفتوحاً يمكن لأي »حليف« أن يمد يده للعبث به أو للاتجار بنزيفه المتواصل وعقد صفقات السلاح بمبالغ فلكية وبعمولة أسطورية، باسمه وعلى حسابه.
ثم هناك الخوف المتجدّد من إسرائيل، خصوصاً بعدما أعاد بنيامين نتنياهو تظهير مشروعها الأصلي مُسقطاً الأوهام حول »قطار السلام السريع« الذي نجح الثنائي رابين بيريز في بيع »التذاكر« وحجز المقاعد فيه لمن جرى فنجح في الوصول أولاً…
إن عرب تلك الأرض يتنفسون الخوف ويعيشون أسرى قلق جدي على المصير،
ولعل بين ما يزيد من حدة الخوف أن معظم الحاكمين حالياً، والذين يوفرون عنصر استقرار في السلطة وفي النفوس، بهذه النسبة أو تلك، قد بلغوا من العمر عتياً، وبعضهم يعاني من أمراض خطيرة، وليس الأمر محسوماً دائماً بالنسبة لمن يخلفهم من الأبناء أو الأشقاء ومَن يسبق مَن ولماذا، واستناداً إلى أية قوة (وأيضاً في الداخل وفي الخارج)..
في »أبو ظبي« استُجلس حشد المدعوين الآتين من مختلف جهات الأرض، أربع ساعات أو يزيد، لمتابعة استعراض للقوة العسكرية وُضع في سياق الاحتفال بالذكرى الثلاثين لجلوس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وكذلك باليوبيل الفضي لإقامة دولة الإمارات العربية المتحدة.
مرّت طوابير من أحدث الدبابات وأغلاها، وصواريخ ورادارات وخرقت جدار الصوت طائرات حربية متميزة بمواصفاتها القتالية (ميراج 2000 الفرنسية وهوك الأميركية)، وتهاوت حوامات »الأباتشي« التي يعرفها جيداً ضحايا قصفها في جنوب لبنان،
وكان رد الفعل العفوي الذي صدر عن متابعي العرض: لماذا كل هذا السلاح، وفي وجه مَن سيستخدم؟ وهل تملك الإمارات المحدود عدد سكانها الكفاءات اللازمة لتشغيله؟!
وتهاطلت بعد ذلك الأسئلة: لماذا إذن معاهدات الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة الأميركية ومع بريطانيا ومع فرنسا (وإن بدرجة أدنى)؟!
وكان مبعث الأسئلة ذلك اليقين الثابت بأن قانون التوازنات السياسية والاقتصادية في المنطقة وفي العالم هو الذي يوفر الحماية لدولة كالإمارات وليست قوتها العسكرية بالغة ما بلغت من التطور والفعالية وارتفاع الأثمان.. والعمولات.
كان الخوف يحوم بظله الثقيل فوق المنصة الرئاسية كما في سماء تلك المدينة الجميلة التي حوّلتها إرادة الشيخ زايد إلى حديقة غنّاء مزروعة بالأبراج المبنية بأحدث وأقوى مواد البناء وأعظمها صموداً في وجه رياح السموم الصحراوية كما في وجه الرطوبة الكثيفة التي تضخها رياح الخليج المستنقع في بعض جنباته.
أما في الدوحة حيث انعقدت القمة السابعة عشرة لمجلس التعاون الخليجي، فلقد كان الخوف ثقيل الوطأة بحيث بدا مجرد انعقاد هذه القمة الدورية إنجازاً..
كانت الحفاوة في أعلى درجاتها، لكن الخوف ظل هو السيد.
ومع أن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حاول أن يمد بصره إلى المستقبل وطالب نفسه والآخرين بالاستعداد لشروطه، وبينها إشراك الشعب في القرار عن طريق بناء المؤسسات الديموقراطية، فإن المستمعين إليه كانوا مسكونين بهمّ اليوم إضافة إلى قلقهم الشديد على ذلك الغد بالتحديد.
وبلغت الصراحة ذروتها في الخطاب البيان الذي ألقاه ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، إذ عبّر عن مجموع المخاوف بصيغة أدبية فخمة السبك ولكنها تكاد تسمي مصادر الخوف واحداً واحداً وتوصّف العلاج المرتجى والجاري البحث عنه في كل مكان.
اجتماع الخائفين ليس بحد ذاته مصدراً للطمأنينة، خصوصاً إذا ما كانت الأيادي مغلولة،
لم تعد كلمة »العرب« جمعاً،
لم يعد ممكناً القول بأن اجتماع الكلمة يحمل الأمان إلى مجموع العرب.
لم يعد للعرب مجموع في حالتهم الراهنة،
لم تعد للفظة العرب دلالة الإطار القومي الجامع بالمعنى السياسي،
وصار غياب المرجعية العربية، القيادة العربية، وحدة الهدف، وحدة العمل الخ، عذراً إضافياً للاندفاع مع الكيانية الأصغر إلى مداها الأقصى في ظل الحماية الأجنبية،
لكن هذا العذر للهرب من الخوف الأصغر يقود إلى السقوط في أحضان الخوف الأكبر.
والعرب مشتّتون الآن بين الخوفين.

Exit mobile version