بائسة هي صورة العالم الإسلامي الذي يلتقي ولا يتلاقى، اليوم، في طهران، وكل طرف من أطرافه يبدو متعباً بل منهكاً ومثقلاً بمشكلاته كأنه آت من البعيد البعيد وذاهب إلى حيث لا يعرف وربما لا يريد.
إنه عالم ضائع، مُضيَّع، مقتتل مع نفسه، مقتتل مع الآخرين، ومقتول بغير شهادة أو رثاء، أحياناً، مهشّم ومهمّش، لا هو مترابط ولو بالحد الأدنى فيتصرف ككتلة، ولا هو متماسك بحيث يفرض رأيه كقوة مؤثرة لها مصالح وأهداف مشتركة عملية ومحددة، بينما يعامله العالم على اسمه الموحي بالتوحّد فيحاسبه وكأنه قوة (ولو محتملة) ويحاكمه على ضعفه بقسوة تمنع أي احتمال لتوحدّه، أي لاكتسابه الحد الأدنى من القوة.
وأول ما يختلف فيه وحوله هذا العالم المتعدد القوميات واللغات والأهواء ما يفترض أنه عامل التوحيد الأساسي له أي: الإسلام.
في هذا العالم ثمة »إسلامات متعددة« لا إسلام واحد، بالمعنى السياسي للكلمة، أي عبر المفهوم الخاص للإسلام لدى كل من »الأنظمة الإسلامية«.
فلا إسلام إيران مماثل لإسلام باكستان، ولا الإسلام الماليزي متسشق مع »الإسلام الأوروبي« في البوسنة والهرسك، ولا الجزائري ملتق مع المصري، ولا السوداني متسق مع السعودي، ولا الأفغاني مقبول من معظم »الإسلامات« الرسمية الأخرى.
لكل نظام إسلامه الخاص، حتى ليبدو أن ثمة »إسلامات« بعدد الدول وأنظمتها التي لا تتشابه عموماً إلا في ما يؤذي الصورة المفترضة للإسلام.
وبرغم أن معظم »الإسلامات الرسمية« تصب سياسياً عند الغرب، وبعضها يحمل الدمغة السياسية المباشرة للجهة الصانعة، فإنه في موضوع أميركا وسياساتها لا يبدو الإسلام عامل توحيد ولا يبدو العالم الإسلامي موحّد الوجهة أو الأهداف.
من أفغانستان الحرب الأهلية في الداخل، إلى تركيا الحروب الأهلية في الداخل والحروب المباشرة ضد الخارج (العربي أساساً والإيراني استطراداً)، ولا سيما ضد العراق المستضعف والممزوق والمطرودة دولته من شماله، انتهاءً بالجزائر حيث يذبح الإسلام بأيدي المسلمين، أو يذبح المسلمون باسم الإسلام، تتمايز سياسات الدول الإسلامية ويتعذر لقاؤها ولو على الحد الأدنى، وإن تلاقي الجميع في أفياء القوى المهيمنة غير المسلمة، ان لم نقل انها معادية للاسلام والمسلمين… لكنه لقاء مشروط بأن يأتي كل نظام على حدة، وبأن يؤكد »استقلاله« عن »الاسلامات« الاخرى.
أما حول اسرائيل التي أقيمت بالحرب وعاشت بالحرب وتبقى بالحرب على العرب الذين هم بأكثريتهم الساحقة من المسلمين، فإن الاسلام السياسي لا يكفي اليوم ولم يكن كافيا في اي يوم قاعدة لتوحيد المواقف.
.. حتى وأولى القبلتين وثالث الحرمين، ارض الاسراء والمعراج والمسجد الاقصى محتلة ومهودة المستقبل..
ولقد كان الاسلام السياسي، ولفترة طويلة امتدت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى بداية التسعينيات، خط الدفاع الاول عن الغرب في وجه البعبع الشيوعي والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي، فلما سقطت »امبراطورية الشر«، كما أسماها الاميركيون، وُضع الاسلام في خانة العدو الاول للغرب، وبات هو »البعبع«، وصار لزاماً على الدول التي تحمل شعاره ان تؤكد كل صباح ان اسلامها غير معاد، بل وهو غربي وحتى اميركي وربما اسرائيلي ليتوقف ابتزازها المفتوح، سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
كذلك فقد كان الاسلام السياسي يطرح نفسه وكأنه عدة القتال من اجل التحرر والعدالة الاجتماعية، ورأس الحربة في النضال من اجل حقوق الانسان في وطنه، لكنه اليوم يبدو وكأنه صار سلاحا قاتلا بيد أعداء تلك الاهداف جميعا، من التحرر الى العدالة الى حقوق الانسان.
هل بالمصادفة ان معظم الانظمة التي تدفع نفسها بالشعار الاسلامي هي الاكثر غربية في سياستها الخارجية والاكثر قمعا في سياستها الداخلية، والاكثر ظلامية في سياستها الاجتماعية؟
ان من يكبل الاسلام بالتفسير الاستنسابي والاكثر تخلفا للنص والكتب الصفراء القديمة والتي تسببت في اخراج الدين من الحياة، انما يلغي الاسلام كقوة تحرر وكإرادة لاستكمال بناء الذات تاركا المسرح فارغا امام الغرب الاميركي والهيمنة الاسرائيلية.
لعل اللقاء في طهران، التي جعلتها الثورة الاسلامية على باب العصر، ومنحتها المنعة والقوة والقدرة على اعادة بناء ذاتها كقوة اقليمية كبرى في وجه الضغوط الهائلة للغرب، والتي وصلت في لحظة الى حد الغزو المسلح، وفي لحظة اخرى الى حرب مفتوحة لمدة ثماني سنوات من طرف »اسلامات سياسية« غربية،
لعل هذا اللقاء يكون نقطة البداية للاتفاق او للتقارب بين اطراف المؤتمر الاسلامي على مفهوم مشترك للاسلام ودوره في خدمة الانسان الذي يعتنقه،
لعله يكون بداية صحوة تعيد الى الاسلام شيئا من اعتباره باستحضار المسلمين كأصحاب مصلحة مشتركة في بناء غد افضل لمجموعهم، كدول، وكبشر حرموا طويلا من ان يكونوا في قلب حركة العصر وهم الآن يهددون بالخروج منه؟!
لعل وعسى تكون نقطة بداية لاتفاق سياسي، وبعدها لا يهم ان يستمر الخلاف حول الشروح والتفاسير الاسلامية المتعددة.