طلال سلمان

الهزيمة الجديدة

في اليوم التالي لهزيمة 5 حزيران 1967 خرجت الأمة العربية جميعاً إلى الشوارع تطالب بالعودة إلى الميدان، مؤكدة استعدادها لأن تبذل من دمائها ما يعيد إليها الاعتبار ويؤكد جدارتها بالحياة الحرة والكريمة.
أما اليوم، وبعد 46 سنة على تلك الهزيمة التي لم يتأخر الرد عليها وإن تمّ اغتيال «النصر المحتمل» في حرب 1973، فإن الأمة تعيش حالاً من الفرقة والتباعد والتشقق تكاد تجعل «شعوبها» أقرب إلى «الأخوة ـ الأعداء».
أتمّ أهل النظام العربي، قديمهم والجديد، تقسيم الأمة وقهر إرادتها بالديكتاتوريات، والشعار الديني والارتهان للإرادة الأجنبية ممثلة بالهيمنة الأميركية، واستسلموا بمجموعهم أمام العدو الإسرائيلي متخلين له عن فلسطين، مسلّمين بتفوقه عليهم مجتمعين وكأن الهزيمة قدرهم الذي لا رادّ له.
وها هم «الأغنياء» من أهل النظام العربي يهربون بقدراتهم الهائلة من إخوانهم الفقراء، فيقفلون أبواب بلادهم أمامهم ويستبدلونهم بعمالة غير عربية لا تهتم بمصيرهم وقد تشكّل مصدر خطر على هوية البلاد كما على مواقع السلطة فيها، لا سيما في الدول التي يفيض دخلها القومي عن أعداد مواطنيها الأصليين.
لقد استبدلوا العدو القومي الذي اغتصب أرضهم وقاتلهم وقاتلوه دهراً، والذي يجهر بأنه سيقاتلهم اليوم وغداً، بعدو مستحدث بينهم وبينه روابط عميقة من الدين والمصالح…
ثم إنهم وقعوا العقاب على من استمر يجاهد لتحرير أرضه، كما المقاومة في لبنان،
ثم إنهم نفخوا في نار الفتنة ليعيدوا قسمة العرب المسلمين بأكثريتهم الساحقة، بحسب طوائفهم واضطهاد المسيحيين مع وعيهم بأن هذه الاندفاعة الحمقاء تأخذ إلى الفتنة التي تدمر المجتمعات وتنسف ركائز الدول، وتقضي على حاضر الأمة ومستقبلها.
إن أهل النظام العربي يفرضون على الأمة هزيمة أخطر ألف مرة من هزيمة الخامس من حزيران، فالفتنة أشد من القتل… وها هي أقطار عدة في المشرق أساساً مهددة في وحدة كياناتها السياسية وفي وحدة الشعب في كل منها.
لقد انفصلت أقطار الجزيرة والخليج بثرواتها، وأقامت سداً من الكراهية على قاعدة طائفية ومذهبية مع سائر المشرق، في حين قفز الإسلام السياسي إلى السلطة في كل من مصر وتونس وليبيا، فأقام سدوداً بالشعار الديني في وجه «الأهل»، بينما فتح الأبواب جميعاً أمام «الصداقة العميقة» مع الهيمنة الأميركية، وأسقط العدو الإسرائيلي برسائل الود والتهنئة..
إن الفتنة تتهدد الأمة جميعاً ليس في وحدتها وهويتها فحسب، بل في «دولها» المرتهنة للإرادة الأجنبية والتي تتسابق إلى فتح الأبواب لإسرائيل التي تجهر بأنها دولة يهود العالم.
إن الهزيمة الشاملة أمامنا وليست خلفنا، بفضل هذه الأنظمة التي لم تؤمن يوماً بأمتها وبإرادة شعوبها، والتي تستقوي بالفتنة خارجة من جلدها إلى عدوها.
ما أهون الهزيمة العسكرية أمام الفتن الطائفية التي تهدد بإخراج الأمة جميعاً من التاريخ وربما من الجغرافيا أيضاً.

Exit mobile version