طلال سلمان

الحرب في واشنطن وعليها

في السابق، كان العرب يستبشرون خيراً كلما قام رئيس الحكومة الاسرائيلية بزيارة الى واشنطن للقاء الرئيس الاميركي وإدارته.
كانوا يفترضون، عادة، ان سيد البيت الأبيض قادر على تعديل القرار الاسرائيلي او التخفيف من تطرف ضيفه الصديق، خصوصاً وأنه يمكنه ان يدفع ثمن التعديل نقداً وعينا: سلاحاً متطوراً ومساعدات متعددة أقلها المال السائل، مع انه ليس قليلاً!
اليوم، صار العرب يتطيرون وتتزايد مخاوفهم من اسرائيل مع كل زيارة يقوم بها رئيس حكومتها الى واشنطن: باتوا يفهمون ان واشنطن ستعدل بعد الزيارة من سياستها، وان تطرف الادارة الاميركية سيعلن عن نفسه أكثر فأكثر، وبالمقابل فان رئيس الحكومة الاسرائيلية سيأخذ كل ما يطلبه وأكثر، مالاً وسلاحاً وتأييداً سياسياً ومساعدات عينية وفي كل المجالات.
كان الرئيس الاميركي مؤهلاً لأن »يستدعي« رئيس حكومة اسرائيل،
أما بنيامين نتنياهو فيتصرف مع الادارة الاميركية وكأنه مؤهل لأن يملي على كلينتون الثاني مطالبه وشروطه،
ولأن »عملية السلام« تحتاج الى رئيس اميركي قوي (على اسرائيل اولاً وأخيراً لأن العرب مسلَّمون بالراعي وقوة الدفع والوسيط النزيه)، فان تعثر هذه المسيرة ثم جمودها يعكس الان غياب او تغييب او احتجاب او اندثار الرئيس الأميركي القوي.
ارتضى العرب، بسبب بؤس أوضاعهم، ان يفاوضوا »عدوهم« الاسرائيلي داخل حليفه الاستراتيجي و»صديقهم!!« الاميركي،
ولكنهم لن يستطيعوا، ومهما تردت اوضاعهم، ان يفاوضوا »صديقهم« الاميركي، وهو من كان الضامن والضمانة، داخل »عدوهم«الاسرائيلي،
وفي غياب رئيس اميركي قوي من الطبيعي ان تتعطل المفاوضات، وأن يلجأ كل طرف الى وسائل قوته لتحريكها وفق مصالحه: الفلسطيني الى شارعه، على صعوبة مثل هذه العودة، والاسرائيلي الى التهديد بحرب لا يريدها أحد (بمن في ذلك نتنياهو نفسه).. وسائر العرب الى الصديق الأوروبي لعله يستطيع ان يحرك واشنطن، خصوصا اذا ما تم تسليحه بموقف عربي اكثر تماسكاً، وبموقف اسلامي اقل تفككا وبموقف من كتلة عدم الانحياز أقل انشائية وشكلية عما بات مألوفاً في السنوات الاخيرة.
السلام أخطر من الحرب،
كذا فهو يحتاج الى قيادات أقوى من المحاربين.
وليست الادارة الاميركية، بوضعها الراهن، مؤهلة في ما يبدو لحماية ما كان تم من خطوات، ولو متعثرة، على طريق التسوية.
وأبأس ما في وضعها الراهن ان نتنياهو يستضعفها الى حد يمتنع عليها معه ان تؤثر فتسرع عملية الاعتراض الداخلي الاسرائيلي.
وليست نكتة ان يفترض الملك حسين، وأن يفترض مثله ياسر عرفات، ان وجودهما في واشنطن خلال زيارة نتنياهو انما يعزز موقف الادارة الضعيفة في وجه حليفها القوي عليها والمتطرف بها بينما كان يأتي ليقايض تطرفه بقوة منها تفتح الباب امام احتمالات التسوية!
II حرب الانتخابات..
في مصر يذهب الناس، بالأمر، اليوم، الى الانتخابات البلدية، بغير حماسة.
انهم يعرفون انهم انما يذهبون لينتخبوا من قررته الحكومة وفرضته في قوائم محصنة ضد السقوط، ومؤمن عليها لدى بنك التزكية، ولا مجال لتعديل فيها او تبديل!
لذا فأغلب الظن ان »البمواطن العادي« لن يذهب الى صناديق الاقتراع وهذا امر يتكرر في كل »انتخا بات« تجري بقوائم يفرضها الحكم باسم حزبه ودائما بدواعي المصلحة الوطنية العليا والحرص على الوحدة الوطنية!
اما في لبنان فان الحكم يمنع المواطن العادي، صراحة، من الذهاب الى صنوقة الاقتراع لاختيار رؤساء للبلديات ومختارين في مدنه وبلداته وقراه التي نسي اهلوها متى انتخبوا آخر مرة مخاتيرهم ومجالسهم البلدية.
الذريعة في لبنان ايضا المصلحة الوطنية العليا والحرص على الوحدة الوطنية،
الانتخاب ممنوع هنا وهناك،
الصندوقة الصغيرة ذات العين السحرية محرمة هنا وهناك،
وبين »الحيثيات«: الحرص على رص الصفوف لمواجهة التطرف الاسرائيلي!
لماذا، يفرض علينا، وبالامر، خسارة الحرب على واحدة من أخطر جبهات المواجهة مع العدو الاسرائيلي؟!
III … وحرب الرؤساء!
ليس لحروب الرؤساء في لبنان مواعيد ثابتة، وليس لها مدى معين، وليس لها بالضرورة أسباب موجبة معلنة او يمكن اعلانها.
انها حروب صاعقة: تنشب فجأة، بغير إنذار مسبق، وتنتهي فجأة، من دون تبرير يقنع، ولكثرة ما اعتادها الناس لم تعد تثير قلقهم، ولا تستأثر بفضولهم اللهم الا في غيبة برامج الحظ التلفزيونية!
وفي الغالب الأعم فان الرؤساء يستمتعون بلعبة »اثنين ضد واحد«، او »واحد ضد الاثنين« او »واحد ضد واحد« بينما »الواحد« الثالث يعلن سلفا انه ضد المنتصر من »الواحدي«…. ثم يكتشف الناس اخيرا، ان الرؤساء مثل مسحوق »يس« الشهير: ثلاثة بواحد، وان سعى كل منهم بين الحين والآخر لكي يكون »واحدا بثلاثة« ولو كره الكارهون!
ممتعة اللعبة حين يتوزع الرؤساء الادوار فيحامي بعضهم عن الديموقراطية بوصفها طريق الوحيدة الوطنية ويطالب بعضهم بمنع الانتخابات حرصا على الديموقراطية، ويحذر البعض الثالث من الضرر الذي قد تجلبه الديموقراطية على الوحدة الوطنية..
اما المواطن فلا يجد صندوقة يرمي فيها ورقة اقتراعه، اذ انهم في الانتخابات النيابية كلفوا »المحدلة« بتحقيق الانصهار الوطني ولم يكن له دور، وها هم يلغون الانتخابات البلدية والاختيارية لأن الطرقات في القرى لا تتسع للمحادل..
كذلك فان احتمال التصويت في المجلس الدستوري قد طيّر رئيسه وربما يطير المجلس ودوره على الأقل، في المستقبل القريب.

Exit mobile version