نشرت في 18 تموز 1997 ضمن “هوامش”
ما زال يدوي الدويّ ويملأ الأذن والقلب والذاكرة، وما زالت الطلقة تحفر طريقها في الجلدة اللحمية الرقيقة للوجه المثقل بالسمرة والسهاد وتعب الهموم الفائضة عن القدرة على التحمّل.
يعبر الدويّ السنين ويحملني معه، فأحمله، وتحملنا معاً طفولتي الثانية.
لسن المراهقة أعذاره الكثيرة، فلماذا لا يأتيني عنه ومنه إلا اللوم؟!
أمشي مثقوب الصدغين، ويسري الدم بعرض الجبين، قبل ان يتغلغل عبر ثنايا القميص المحروق، سالكا المعبر العميق بامتداد الظهر ليتقطر فوق اسفلت الطرق، فيمتصه بلا صوت، بينما ينفذ بعض الرذاذ الاحمر الى البلاط امام البوابة الحديدية فيؤرخ بالظل النجيعي الداكن لهذا الفجر التموزي المضاء مرتين!
كيف تقيم في المسافة بين طلقتين؟!
كيف يمكنك العيش محبوسا بين الدويّ والصدى؟!
يشرق وجهك فيملأ المسافة، وتتلاشى ضوضاء الموت الذي كان قد شدني اليه فاحتضنني واحتضنته وتلاصقنا حتى تماهت الحدود بين الأصغرين.
وترفّ كلمة »حبيبي« فتزهر العتمة ياسمينةً، ويتوهج فلّ له مثل عطرك.
أسمع هسيس دمي وهو ينسرب من خلف الأذنين وعلى امتداد العمود الفقري الى الحذاء، قبل ان يندلق ومعه عمري على حوافي الرصيف المرطّب الآن.
يملأ وجهك المكان فيحجبني عن الموت ويحميني، وأعجز عن الهتاف بكلمة »أحبك« ولكنك تسمعينني، وأحس بأهدابك ترفّ عليّ وتمسح عن جبيني عرق الخوف وآثار أقدام الموت الصيفي البارد.
أحسك تهدهدينني داخل الطلقة، داخل الدويّ، ثم داخل الصمت الساجي حيث تتداخل الحدود بين موت الليلين وإشراقة الصباحين العفية.
وحين تبزغ خيوط الضوء الاولى وتتكامل عبرها ملامحك، أقرر أن الحب هو فرح الحياة الأعظم، وأقرر أن افرح، ولو كان عنواني عرس الدم.
وتبقين، أيتها الخارجة اليّ من موتي، مصدراً للنور في حياتي الجديدة التي اريدها ان تدوي باسمك لكي يفرح الناس، ولكي يستمدوا منك المعرفة بأن يحبوا ليعوّضوا الأعمار المهدورة كطلقات طائشة تنتهي عندما يسود الصمت رصاصات فارغة لا تنتظر غير الريح ليصفر من خلالها لحن العبث اليومي المفتوح.