هكذا إذاً. أسرعت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وبكل ما أوتيت من أسلحة وتقنيات، للدفاع عن “إسرائيل”. استنفرت ترسانتها، بحراً وجواً، لصد انتقام طهران لاعتداء تل أبيب على سفارتها في دمشق واغتيال عدد من قادتها العسكريين هناك.
خافت “إسرائيل” واختبأت. استنفرت قواها الجوية، ثم كان ما كان، وما بات معروفاً جداً، وما كان ذلك من زمان. “إسرائيل” تأمر فتطاع. يحضر الغرب المشين بكامل عدة عهره السياسي، ويحمي إجرام “دولة”، تأسّست على الإجرام.. على الإجرام فقط.. فأقامت كيانها على أنقاض شعب مراراً.. وما تزال.
عرفنا باكراً، أن “إسرائيل” بطبيعتين: دينية وزبائنية. مشروعها الصهيوني احتُضنَ ووُلِدَ على أيدي الغرب. هذا معروف. فيما كان العرب يُضربُون ويُقتلُون ويُنصحُون، بقبول “إسرائيل” مقابل إقامتهم في كيانات مقيدة، أي بلا حرية.
في العام 1956، هكذا، ومن دون مقدمات، أقدمت “إسرائيل” الصغرى آنذاك، على إشراك بريطانيا وفرنسا في حربها ضد مصر. من يُصدّق ذلك؟ لم يكن لها من العمر إلا سنوات قليلة. إذاً، هي منذ البدء، ومن دون أي اعتداء عربي، تمارس فعل الحرب. تتنفس القتال. تعيش على الدم. أما الغرب الأنيق، ذو الأنياب الديموقراطية، والقبضات النووية، فيوكل إليها مهمة تأديب الأنظمة العربية، في بدايات بناء دولها، بالتي هي أحسن.
حسناً؛
لا بد من رسم خريطة الخراب العربي، للمرة الأخيرة.
أولاً؛ لا يُعوَّل على أي كيان أو حكومة عربية. ماضيها خسائر وفضائح. حاضرها بيع وشراء. طقوسها ركوع وسجود. طموحها المزيد من التخلي عن.. باستثناء الرأسمال. أصدرت هذه الكيانات عفواً مستداماً، خاصة وأنها تدين بالسنية، وتعادي الشيعية..
هكذا.. نعم هكذا. إنما تخبئ عدائيتها بكلام ومواقف وهراء.. و”استلشاء”.
عفواً. هل قلت، قبل ذلك، عربياً وعروبةً؟
الغوا هذه النعوت. فلا عرب ولا عروبة. إنهم خدم برتبة: “أمرك أيها الغرب”.. فلسطين: مطرودة من أرضها، بواسطة “إسرائيل”، ومطرودة من عربها. لا بل بات الكثيرون يدركون أن عداء أنظمة العار العربية هو لغزة ولرمزها: العلم الفلسطيني..
إنما..
استطاعت غزة العظمى، الصغيرة جداً جغرافياً، أن تنتشر في كل العالم، برغم أنف وسلطة وقمع “الأنظمة الديموقراطية” الزاحفة على بطونها وجباهها إلى “إسرائيل”. “شعوب العالم معك يا غزة”، وهذا يُذخِّر فلسطين بأمل البقاء بمشقات مؤلمة، ولكنها مُحبَّبة.
ما الأمل؟
أولُ أملٍ؛ فلسطين ماضية بمشروع حريتها وضمانة وجودها. أملٌ أصيلٌ. أملٌ يتقدم على الألم الباهظ الذي تسكبه فلسطين. حروب منذ قرن، وفلسطين حية ترزق. قرعت بدمها ودموعها وهامات أطفالها، أبواب الضمائر الإنسانية، فاستجابت. خانت أنظمة الطغيان الدولية، فأصدرت قرارات منع لحرية التعبير والكتابة..
ثانياً؛ موسوليني قتل. هتلر انتحر. ومن هم على صورتهما، لا يمكن النظر إليهم، إلا بوجوه لها أنياب دموية، من سلالة فرنكشتاين. بايدن فأر صغير. عندما يتصل بنتنياهو، يُعامله هذا، كفأر. رئيس فرنسا، كراكوز كرنفالي وذا عتوّ رأسمالي. حقق أكبر نسبة كراهية في بلاده. “برافو” ماكرون. أما رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك، فقد كان أميناً جداً، لمن نصّبه رئيساً للحكومة. وهو برتبة مرابي عند النظام الغربي وعند “إسرائيل”.
ثالثاً؛ الحرية جائزة المناضلين. جائزة الأحرار. جائزة الذين يؤكدون على الأخلاق والقيم. الثورة الفلسطينية المستدامة، قد أخطأت مراراً، ولكنها ظلت متمسكة بالحق.. الحق الفلسطيني مقدس. الوطن الفلسطيني مقدس. الإنسان الفلسطيني، الذي عُلّق على خشبة منذ قرن، آن أوان قيامته.. الصفحة الأولى، “طوفان الأقصى” ثم طوفان الـ..(ضع الإسم المناسب).
بالأمس. تجرأت إيران على “الحرام الغربي”. غريبٌ. أسرعت دول الإذلال، ذليلةً، لتكون في الخندق الإسرائيلي الهمجي.
غريبٌ! غريبٌ! غريبٌ!
دولٌ عظمى، بكل همجيتها، حضرت لصد “العدوان الإيراني”. هي لا تعترف بشعب كنيته فلسطيني. هي مع أوركسترا دولية في منظومة الصهيونية العالمية. بدا لنا، أن “إسرائيل” تأمر فتُطاع. ولكنها، مع غزة، تُدمِّر وتُدمِّر وتُدمِّر، وتنهض غزة لتُلقن الجندي “الإسرائيلي” موته.
غربٌ أنيقٌ جداً، يدّعي “الإنسانية”، خاض حرب إبادة. قامت قيامة حكومات العار الغربي لمنع جر “إسرائيل” إلى المحاكم الدولية. أشهرت دول الغرب “أنيابها الديموقراطية”.
***
العالم يتغيَّر. الصراع سافر وواضح. الأرض على شفا خيار. إما الحرية وإما العبودية. إما الإنسانية وإما الهمجية. إما المحبة وإما الحقد. إما العدالة وإما الظلم. إما الحرية وإما الاستبداد. إما الديموقراطية وإما القبضات الأمنية والرأسمالية والهمجية.
العالم يتغير. عصر جديد قادم. عصر أسود في مواجهة قبضات تجرّأت على الإفصاح والالتزام. قيمة هذه الحقبة الآتية، أنها تُعيد للإنسان إنسانيته. قال شاعر “لا تلُمني يا إلهي، قد أصبح الشعب إلهاً”.
ماذا بعد؟
كلامٌ كثيرٌ يُقال. أهمّه أن نتعرّف مرة أخرى على الشعب الفلسطيني راهناً، على غزة العظمى. على الشهداء الذين عند شعبهم يرزقون.
ماذا بعد؟
المعركة مستمرة. عليك أن تختار، بين نتنياهو وبين يحيى السنوار.