منذ اسابيع والدولة غائبة عن السمع،
الآن ها هي تغيب كلية عن الوعي،
كل المسؤولين، من الرؤساء الى الوزراء الى النواب، ومن المديرين الى الخفراء، غاطسون في »طشت« الانتخابات،
وكل منهم يأخذ »الدولة« الى حيث يقصد معزيù أو مهنئù أو متعرفù على »رعاياه« الذين لم يسبق لهم شرف مصافحته يدù بيد!
نبتت مشروعات الازدهار والرخاء في البلد الذي كان يختنق بأزمة الركود الاقتصادي، مثل الفطر، فلم تزده الا اختناقù،
زُرعت حجارة الاساس لعشرات من المشافي والمصافي والمجمعات السكنية والجامعات والمسالخ والمستوصفات والتأمينات والمدارس والمعاهد، عليا وواطئة، فنية وتكنولوجية وفضائية، في الأرض التي تقطع اشجارها المثمرة لأنها لم تعد تشبع غارسها، او تلك التي ترمى محاصيلها لأن كلفة تعبئتها ونقلها اعلى من سعر البيع، عدا عن كلفة الإنتاج وسهر الليالي وعرق النهارات القائظة.
دُشنت طرق لما يتم تعبيدها، وأخرى تم تزفيتها ليلاً وقبل ان تبزغ شمس الاقتراع ومعها الحساب عما كان.
لصاحب الدولة او صاحب المعالي او صاحب السعادة استقبال مختلف عن الحالم بالدولة والباحث عن المعالي والمفتقد السعادة، والآتي وحيدù ليقدم نفسه مباشرة لجمهور الناخبين الذين ما زالت تبهرهم الألقاب وتمنيهم بمنافع او مغانم من السلطة لم تأتهم طوعù وكجزء من حقوقهم المضيعة.
رنت الألقاب المفخمة في المزارع التائهة في البطاح والسفوح، حيث كان الرقيب رئيس المخفر هو »السلطة« ومدير المدرسة او المعلم فيها هو »الاستاذ« الوحيد، وحيث من يبني بيتù من دورين هو »الأغنى من بنك«.
تفرجت النساء المحجبات والفتية الذين لا يملكون اقساط المدارس الغالية والكهول الذين لا مستقبل لأبنائهم المتخرجين بعدما استنفدوا كل المدخرات، على »معالي الوزير« الآتي بموكب مهيب، كما السلطان، والمتواضع حتى الشرب من ابريق الفخار، والدمث الى حد تقبيل الأطفال المعفرة وجوههم بالتراب،
ولعلعت »الديموقراطية« وهي تفرض على الناس ان يقرروا: هل هم مع الدولةوسيصوّتون للمرشح الفائز، من دون جميلهم، ام انهم معارضون يوالون عون وجعجع والجميل ومشروع نتنياهو »لبنان اولاً«؟!
الدولة، اذù، هي هؤلاء النفر من الوزراء والنافذين المرشحين، أما من عداهم فليسوا من الدولة ولا هي منهم، وما داموا قد اختاروا ان يحاربوها فليتحملوا نتائج الحرب.. والبادئ اظلم!
لا مجال لمحاسبة مقصر، او للاقتصاص من مرتشٍ مرّر الصفقات غب الطلب، او من منافق يجهر بالولاء نهارù ثم يهمس ليلاً »لمعارضة الخارج«، او »للخارج« شخصيù، انه انما يداري وضعه لكي يظل »في الصورة« حتى ينفع بعلمه الساعين الى التغيير.. ولو بعد حين!
كيف يمكن ان »يسقط« الوزير؟!
اذا سقط، لا سمح الله، فتلك ضربة لهيبة الحكم، وهل ادل من ذلك على تمرد الناخبين على وثيقة الوفاق الوطني وجمهورية الطائف؟!
أليست الدولة هي من يقرر الاحياء والاموات، من يحق له الاقتراع ومن هو محروم منه، الاوراق الصحيحة والاوراق الباطلة؟!
من يجرؤ على تحدّي الدولة؟!
من قال ان الدولة غائبة عن الوعي؟!
انها الآن في ذروة وعيها لمنع الاعداء والمتآمرين والمتواطئين على النظام من انجاز انقلابهم عبر استغلال الديموقراطية..
وعليك ان تختار بوضوح وفورù: هل انت مع الديموقراطية المتآمرة ام مع الدولة الساهرة على سلامتك من أن تصاب بعدوى هذه الآفة الخطيرة التي هدمت الحضارة الانسانية في الغرب وها هي تهددك في عقر دارك؟!
فحذار ان تخطئ الخيار.. وقد أعذر من أنذر!