ثأر الاقليات لا يسقط بمرور الزمن.. فالقتيل الواحد عندهم يعادل قبيلة من أهل الاكثرية. ولان لبنان هو مركز تجمع او تجميع للأقليات فتاريخه هو خلاصة الصراع بين هذه ـ الأقليات التي تميز الدروز بينها بأنهم الاشرس، لا سيما بعد أن تحققوا أن “المتصرفية” التي استحدثها “الغرب” في عصر السلطنة العثمانية لتثبيت انفصال الجبل عن “الأقضية الاربعة” أي البقاع والجنوب والشمال فضلاً عن بيروت، ستكون امتيازا لاحقا ودائماً للموارنة..
ولقد حفل تاريخ لبنان الحديث بصراع مفتوح في الجبل على “الامارة” التي تولاها بداية “المعنيون” ثم ورثها الشهابيون.. وكان بديهياً أن يتصادم الامير بشير، الذي بدل دينه من اجل دنياه اكثر من مرة، بالشيخ بشير جنبلاط، الطامح إلى زعامة الجبل وان تدور الدوائر على جنبلاط في معركة عين دارة الشهيرة، ليلخصها الامير بشير بمقولته الشهيرة: “الجبل لا يتحمل بشيرين”..
بعد ذلك سيستمر الانقسام الدرزي متنقلاً من “قيسي ـ يمني” إلى “يزبكي ـ جنبلاطي”، وهذا هو واقع الحال حتى اليوم، وإن تم تمويهه بالشعارات العصرية..
وفي محاولة للخروج من هذا القفص المذهبي أنشأ المغفور له كمال جنبلاط الحزب التقدمي الاشتراكي لإضفاء طابع سياسي بحت على المعركة ضد النظام الأشوه الذي اقيم في عصر الانتداب، وبعد ضم البقاع والجنوب والشمال وبيروت أي ما يسمى “الاقضية الاربعة” الى الجبل.
لكن الحرب الاهلية التي فجرت لبنان (1975 ـ 1990) التهمت الشهيد كمال جنبلاط والاحزاب السياسية العلمانية (التقدمي الاشتراكي، البعث، حركة القوميين العرب والحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان انطون سعاده قد اسسه في اواخر الثلاثينات قبل أن ينتهي الامر بإعدامه ليلاً في ثكنة عسكرية بعدما سلمه الفيلد مارشال حسني الزعيم إلى حكم بشاره الخوري ورياض الصلح في تواطؤ مكشوف عليه وعلى الحزب وفكرة “الهلال الخصيب”).
هذه الحرب بتداعياتها المدمرة خففت من تأثير الانقسام العمودي داخل الدروز بين يزبكي وجنبلاطي، خصوصاً وقد خلقت تكتلات طائفية متواجهة: المسلمون (بمن فيهم الدروز) في مواجهة الطموح الماروني إلى التفرد بالسلطة ولو عبر الدعم الاسرائيلي المفتوح (في عصر بشير الجميل ومن معه..)
وبرغم الحدة التي تفجرت مؤخراً، بعد الصدام في قبرشمون. فمن المستبعد أن يعود الانقسام الدرزي إلى سابق عهده من الحدة.. وذلك بأفضال” بشير الجديد “: جبران باسيل..