اختراع لبنان نافذ. التعايش، صيغة فاضلة. من دونه يصير لبنان، دولة ديموقراطية، وهذا يهدد بقاءه. الديموقراطية ولبنان ضدان. الديموقراطية تؤمن صيغة التنافس. لذا، اياكم والتنافس. إنه يقسم البلد، أكثر مما يحتمل. الحلم اللبناني النموذجي، هو الحفاظ على التعايش، ولو كان ذلك فضيحة. فمن شروط التعايش، اقامة سِلم الفضائح. هكذا، تعايش القراصنة، بعدما مُنيوا بخسائر التنافس.
ولبنان، يتقن فن التعايش. الكذب المتبادل شرط اساس من شروط النجاح. العيوب والفضائح والسرقات والفساد والصفقات والانتهازية، هي البضاعة السياسية التي يتعايش فيها الاطراف وتتقاسم. ونظام التعايش شمولي جداً. خاسر من لا يتعامل معه. خاسر أكثر من يرفع صوت المبادئ والعدالة والمحاسبة والثواب والعقاب و… هذه بضاعة خاسرة في نظام التعايش اللبناني. لذا، وجبت حراسته وتأمين نصابه، ولو على حساب لبنان الدولة والشعب. فلبنان، ليس دولة، بل دول، وليس شعباً، بل شعوب.
الادلة كثيرة: الكل مختلف مع الكل وتقريبا على كل شيء. ومع ذلك، يفترض التعايش أن يوضع الخلاف جانباً، ويصار إلى اتفاق وتعايش، يراعي “مصالح” الجميع. وهي مصالح برتبة فضائح. واللبنانيون الغلابى، شهود على ذلك، ويشعرون بالخوف والذل، كلما فاز التعايش. التعايش صفقة يربح فيها جميع الاطراف ويخسر لبنان، والغلابى فيه اولاً.
المشهد فصيح. القاء نظرة خاطفة على جلسات مجلس الوزراء، درس في فنون المراوغة، وتدوير الزوايا، فلا يموت الذئب، ولكن قد يفنى الغنم. تراهم على مقاعدهم كالأوادم. اعداء ودودون جداً. اصحاب مصالح متنازع عليها مؤقتاً. تقاسم مريح للمؤسسات. اكثرهم قوي، في “العهد القوي”. (يا حرام على هذا اللقب). الضعيف ضحية. صوت صارخ في البرية.
اليس فظيعاً أن الذين اوصلوا لبنان إلى ما دون الهاوية، متفقون أن المشكلة في الاعلام. اقترحوا أن يسد الاعلام بوزه. لبنان المفلس والمنهار، ضحية الكلام، وليس نتيجة الأفعال والسياسات. “برافو” التعايش يفترض التستر. فاذكروا محاسن مجرميكم، وإلاَّ.
يصدق الرعاع زعماءهم. يرفعون اصواتهم ضد خصومهم واعدائهم. الرعاع صادقون جداً. يعرفون أن الاحقاد بين الاطراف السياسية جدية. يتداولونها سراً وعلانية. بكبسة زر او تصريح ينفلت الملق في الشارع. لا يعود الوئام الا بصفقة تؤمن التعايش الفذ. التعايش منصة لبنان القذر.
انظروا إليهم. تذكروهم. انهم اعداء طائفيون. كل ما يقال في السر صحيح وجارح وصريح. عكسه يقال في العلن، لإنجاح صفقة التعايش. وفي التعايش، لكل فريق او تيار او مذهب حصته المبرمة. التعايش ضمن حتى الآن أن تكون المالية في عهدة “امل”، مهما كانت الروائح كريهة. وضمن التعايش أن تكون الكهرباء ” للتيار القوي” انها له، وللبنانيين العتمة. اضافة إلى وزارات وازنة. الداخلية حصن السنة والاتصالات كذلك. إلى آخره… القوى الصغيرة، لها الفتات، وترضى. والغريب، أن العلاقات الذئبية المكبوتة، يعبر عنها، “بضرورة الوفاق لمصلحة البلد”.
هذا التعايش، يضع القضاء جانبا، او بالأحرى، يلزمه بأن يكون تحت جناح التعايش. فوداعاً للعدالة. الجيش للجميع. هذا وهم. لكل حصته والا انهار التعايش. ولأن التعايش صيغة رابحة، فقد انضمت اليها “العائلات الروحية”، وصارت جوقة جوفاء لسياسات التقارب. انه تقارب العقارب.
لا تسأل لماذا انهار لبنان فعلاً؟
التعايش أكبر فضيحة وهو سبب الفضائح والخسائر والانهيارات.
فيا أيها اللبنانيون الغلابى، اياكم والتعايش. لبنان تدمره هذه الصيغة، التي تنمي وتقوي تيارات الطوائف والملل والمصالح، وتضعف الدولة والوطن وتشرد الناس وتفقر الليرة.
التعايش، كذبة، يعتنقها الكذابون واللصوص والعاهرون. والتعايش هو الميثاقية بعينها. ليس من أفق للبنان، غير النقيض وهي الديموقراطية، التي اغتالها النظام الطوائفي، واستبدلها، بحرية مطلقة للطوائفيين الميثاقيين.
برغم هذه العتمة، هناك بشرى سارة، عسى أن تستكمل: لبنان التعايش أفلس وانهار. غير أن هذه البشرى لا تستتبعها بشارة النهوض. فاللبنانيون الغلابى الطيبون، إما يائسون، او مستقيلون او فالج لا تعالج.
ومع ذلك، لا بد من الاسراع في دفن التعايش والميثاقية، بانتظار بصيص الأمل، ولو بعد انهيار الهيكل… لا تدعوهم، هؤلاء، يرثون الخراب لإقامة بديل جديد لخراب يتجدد.
انها لمأساة.
حقا. انها لكذلك.
إذا: قِفا نبكِ.