يتعجّل أياد علاوي تقمّص دور الحجاج بن يوسف في مخاطبته وتعامله مع »أهل العراق«! وها هو »يضع العمامة« كي يغدو في صورة »ابن جلا وطلاّع الثنايا« فيعرفه من كان لا يعرفه من العراقيين، مباشرة أو عبر »صحيفة سوابقه« التي تكفّل بنشرها أصدقاؤه الأميركيون كي يدللوا على صدق نيتهم في تحرير العراق والعراقيين من الطغيان!
على أن الطبيب السابق المتشوّق إلى الحكم، ولو كواجهة للاحتلال، يحاول أن يكون عصرياً، فيشفع قراره بإعلان حالة الطوارئ، التي تجعله الحاكم المطلق، »بمترجم« فصيح لحقوق الإنسان… وهكذا وقف بختيار أمين يشرح بطلاقة يُحسد عليها كيف أن الأحكام العرفية لا تتناقض مع حقوق الإنسان، والأهم: كيف أن واحداً وعشرين إرهابياً وفدوا من الخارج هم الذين أفسدوا على شعب العراق الأمان الذي جلبته قوات الاحتلال »طازجاً« من الولايات المتحدة الأميركية مباشرة وبالطائرات ذات الصواريخ!
ومن سوء حظ الحاكم العرفي ومترجمه الفصيح لحقوق الإنسان، أن مجموعات مستقلة عن الواحد والعشرين إرهابياً وافداً، كانت، في لحظة إخضاع العراقيين لقانون الطوارئ، تخوض على مدى ساعات اشتباكاً بمختلف أنواع الأسلحة مع »الحرس الوطني« الذي أنشأته قوات الاحتلال، والذي لم ينجح في »تطهير« المنطقة التي يقع فيها منزل الدكتور أياد علاوي والمكتب الرئيسي لحركته السياسية »الوفاق«، في قلب بغداد.
إنها خفة لا تليق بسمعة الحجاج بن يوسف.
فليست المشكلة في العراق تحت الاحتلال مجرد مشكلة أمنية… وما عجزت عنه قوات المارينز ومعها »نخب« من »الجيوش الحليفة« يزيد تعدادها على مئتي ألف جندي معززين بالطائرات الحربية والحوامات (التي أثبتت كفاءتها الممتازة في قتل أطفال الفلسطينيين ودك بيوتهم) والدبابات وسائر الآليات المصفحة، لن يستطيع أن يحسمه هؤلاء الذين تطوعوا على عجل، ودُرّبوا على عجل، وألقوا في الشوارع ليقاتلوا »الأشباح« ممّن يحملون السلاح لأغراض شتى.
وبالتأكيد فإن بين من يقاتلون وطنيين عراقيين يرفضون أن يتركوا قوات الاحتلال تمكّن لدوام وجودها في العراق، مستفيدة من واجهة »الحكومة« التي تسلمت صك السيادة من »الدكتاتور بريمر« في احتفال خلسة بسيط المظهر عميق الدلالة…
… وبين من يقاتلون متطرفون مغلقو العقول بعمى السلفية، غالباً ما يخطئون في تحديد »أهدافهم«، ويخلطون بالتعصب بين المحتل الأجنبي وبين المختلفين عنهم في الدين أو في الطائفة أو المختلفين معهم في المنطلقات السياسية.
كذلك فبين مَن يقاتلون رجال عصابات للنهب والسلب، يشجعها ويوفر لها قدر من الحماية حقيقة أن الاحتلال قد أباح العراق لنهابين عصريين يمتد مداهم الحيوي من النفط إلى استثمار احتياج العراقيين إلى كل شيء فيعتمدون التهريب والاختلاس وفرض عقود الإذعان، بحماية جند الاحتلال وبتغطية مكلفة يتقاضاها كبار الضباط الأميركيين والمستشارين، نقداً أو بموجب شيكات مصرفية على بنوك في عمّان، أو في عواصم بعيدة.
إن القناع »الوطني« للاحتلال يضع فوق وجهه قناعاً جديداً من حديد هذه المرة! إن »الحاكم العراقي« سيتحمّل فضلاً عن الإثم السياسي مسؤولية دماء العراقيين التي تهدر اليوم، والتي ستهدر أكثر فأكثر غداً.. وكل ذلك سيوفر مزيداً من الحماية السياسية للاحتلال. وسيتبدى وكأن قاتل العراقيين قد عاد »عراقياً«، من جديد، وأن من يحاكم »صدام حسين« لا يختلف عنه إلا بأنه »مصفح« بدرع الاحتلال الذي يتبادل معه الحماية… ولكنه يقدم له خدمة إضافية بتمويه حقيقته.
لن يضفي »قانون الطوارئ« على أياد علاوي صورة الحاكم الوطني.. ولن يمكّنه من أن يدعي أنه قد بات صاحب القرار في كل ما يتصل بشؤون بلاده ومواطنيه… بل انه سيؤكد طبيعة دوره غير القابل للتمويه وهو أنه قناع عراقي لاحتلال أميركي لم يحمل إلى العراق إلا المزيد من الخراب والتدمير والإفقار ومعها جميعاً مخاطر التقسيم والحرب أو الحروب الأهلية.
وقد يكون قانون الطوارئ الرصاصة الأولى في مثل تلك الحروب… والعياذ بالله!