طلال سلمان

«الأستاذ»

بدأت علاقتي بـ«السفير» شعرياً. نصوص وليدة بعثتها في العام 1978 ونشرت. يا للهول! نصوصي المتواضعة في «السفير»؟
في ذلك الزمن، كنت من الفتية الذين يكتبون الشعر.. ثم وفي لمحة يوم أصبحت مراسلاً للجريدة من صيدا. فرح أبي كثيراً. كــنت أركض هنا وهناك بحثا عن إثـبات الكـفاءة، فأنا في «السفير» وعليّ أن أكون جديراً بـ«صوت الذين لا صوت لهم» وهو الشعار الذي كان يدق بابي في بحثي الدائم عن علاقة تفاعلية مع الجريدة.
سقطت حصون كثيرة في الحرب. سقط رجال أقوياء. ضعف رجال كثر. كانت الجرافات تفترس أسوداً وبنايات وناطحات ومؤسسات. كان الأستاذ يمشي وسط كل ذلك الحطام حائراً. لكنه كان ينفذ إلى مقالته ويكتب بكل ما أوتي من رفض.
قطع الهواء عن بيروت. ضغطوا على أوردة من عاند وأبى. لكن الأستاذ تسرب ونفذ إلى شوارع بيروت بجريدته كرغيف طازج.
ودارت الأيام..
عندما عدت من باريس العام 1994، استقبلني الأستاذ بابتسامته العريضة. قال أهلاً بك في أسرتنا وأجاد في الحب.
في العام 1996 قال لي الأستاذ لا تتأخر عن الذهاب إلى أقصى الدنيا بحثاً عن ذاتك ورزقك، وعندما تعود ستجد الباب مفتوحاً.
حين كان أبو أحمد يزور الإمارات محاضراً ومدعواً، كنا نلتقي كما لو أنه قريـب لي جاء يمسح عن جبيني غبار الغربة. يقــول ويحــدث عن روحه التي تركها في بـيروت. لا يطيق إقامة ولا مغريات ولا رجاء ليقعد ويرتاح قليلاً.
ودارت الأيام..
وجدت الباب مفتوحاً والابتسامة العريضة للأستاذ، في العام 2004. كنت عائداً من باريس. قال أهلاً بك في بيتك.
أبو أحمد، الذي سقط الموت أمـام ابتـسامته ذات محــاولة اغتــيال، يجعلـك، كلما اهتـزت بك الدنيا، سفيرا له في قلبه، سفـيرا له في العواصم، وابنا له في عاصمته الأحب إلى قلبه، بيروت.
أربعون عاما جعلت «السفير» حكاية كل صباح وقتالاً ضارياً على متاريس الدفاع عن الناس وحريتهم في التعبير، وإلا فلماذا كلما أحسست بالضيق تارة وبالحب تارة أخرى، أكتب تلك المقالة الصغيرة وأبعثها إلى الأستاذ.

حسن عبد الله

السفير، 542014

Exit mobile version