لا مجال للمصادفة في اختيار إسرائيل التوقيت المناسب للقرارات التاريخية المحددة «هويتها» ورؤيتها لدولتها وعلاقاتها بشعب فلسطين صاحب الأرض وحافظها على امتداد العصور.
إسرائيل ترى ذاتها الآن في ذروة قوتها بعدما امحت الحدود بينها وبين الإدارة الأميركية. صار مشروعها هو هو المشروع الأميركي في المنطقة. تبخرت تعهدات الرئيس الأميركي الأسمر ذي الجذور الإسلامية ـ حامل جائزة نوبل للسلام ـ خطيب جامعة القاهرة، واختفى موفده لتحقيق التسوية في غياهب الكتل الاستيطانية .
هكذا، وفي الفترة الفاصلة بين الذكرى الثالثة والتسعين لوعد بلفور (2/11/1917) للحركة الصهيونية بتمكينها من إقامة «الوطن القومي اليهودي» فوق أرض فلسطين، والذكرى السادسة لاغتيال «الرمز» ياسر عرفات، وهو كل من وما تبقى من «الثورة» وشعارات «التحرير»: أعلنت إسرائيل هويتها النهائية(؟) بعتو مستفز: «دولة يهودية ديموقراطية».
كانت «الثورة» الطريق الفلسطيني الإجباري إلى «التحرير» بهدف إقامة «الدولة الديموقراطية» لكل من فيها، … لكن ذلك صار من الماضي، وصارت الذكريات كابوساً يجعل من «السلطة» المحتجزة في رام الله خدعة تلغي احتمال قيام تلك «الدولة» نهائياً ولأسباب عملية متعددة أبرزها ما يتصل بانعدام الخيار الآخر، في اللحظة الراهنة.
لا وجود لفلسطين إلا بهويتها العربية، فكيف تحضر وأهل النظام العربي ـ وبينهم «السلطة» ـ يتنصلون من عروبتهم ليحتفظوا بمواقعهم في الحكم مع التسليم بالتبعية المطلقة للهيمنة الأميركية والتسليم بشروط إلغاء فلسطين؟
ها هي دولة يهود العالم «تشطب» فلسطين والفلسطينيين، بالمعنى القانوني، مبقية أمامهم الخيار البائس: أن يلغوا هويتهم وتاريخهم وحقهم في أرضهم، ويجبروا على «أداء قسم الولاء لإسرائيل» الذي يلغيهم ويصورهم كطارئين أو عابرين كالتتار والصليبيين، سيغادرون عما قريب من دون ان يلتفتوا ليودعوا ماضي وجودهم وحاضرهم، ليصيروا ـ كمن سبقهم من أهلهم ـ لاجئين يرفض أهل النظام العربي استقبالهم بذريعة وجوب الصمود في أرضهم… حتى لا تضيع!
لا مجال للنقاش الفقهي حول التناقض داخل الدولة العتيدة المهجّنة بالديموقراطية مع اليهودية.
ذلك ترف لا يقدر عليه أهل النظام العربي الذين بالكاد تعرفت شعوبهم إلى الدولة بمعناها الفعلي، ولا هم عرفوا من الديموقراطية إلا الحرب الأهلية لاغية الشقيق المختلف… أما «الثورة» فكانت مصدر الخطر، وقد تجمعوا بسيوفهم وذهبهم عليها حتى صيروها «سلطة» فصارت رهينة عند رهائن باعوا دماء مقاتليهم الأبطال بمقاعد وألقاب موهومة ومرتهنة لإرادة العدو.
عن إسرائيل التي تقدم ذاتها للعالم الآن بطبعتها الجديدة الصريحة في عنصريتها وفي شطبها شعب فلسطين وحقوقه، هذا العدد من فلسطين البلا دولة. ولكنها تسكن ضمير العالم جميعاً.