لا تختلف احوال الامة العربية سياسياً في دولها العديدة، بالأغنى والأفقر، عن احوال فرقها الرياضية في مونديال روسيا، حيث تساوى لاعبو الدول الغنية منها مع لاعبي الدول الفقيرة في الخروج المبكر من حومة الصراع على الكأس وهو الشهادة بالجدارة.
فأما الحروب فهي ضد الاخوة، من اليمن إلى العراق فسوريا وانتهاء بليبيا.. حيث يستحيل الانتصار الا بتدمير “بلاد الخصم”. والخسائر التي تساوي “النكبة” تكاد تدمر الآمال بمستقبل عربي أفضل، واولى ضحاياها فلسطين والبقية تأتي.
ومؤكد أن الانظمة العربية تتقن فنون الصراع ضد الذات أكثر مما تتقن مواجهة عدوها الاسرائيلي، ومن معه، كائنة ما كانت هويته.
وإذا كانت الاوضاع الاقتصادية في دولة كالأردن قد دقت جرس الخطر على المملكة والعرش مما اضطر دول النفط، وبالذات السعودية والامارات إلى تقديم بعض القروض، في حين قدمت الكويت مساعدة مباشرة، فان ذلك لا يحل مشكلة الاردن… الذي لم يلبث مليكه أن استقبل رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، فور عودته من رحلة جباية مؤونة الانقاذ المؤقت… ربما لطمأنته إلى أن ملوك العرب قد خرجوا نهائياً من الحرب على “العدو”.. وسامحوه بفلسطين!
ومعروف عن ملكة الاردن البذخ وحب المال، وهي تعتبر نفسها شريكة للمملكة في ثروتها… ومن هنا أن لها حصة من الاسهم في بعض البنوك، واكبرها ضمناً كما في بعض الشركات والبنوك التجارية.
لقد مضى عهد التعبير عن الاخوة ووحدة المصير بالنجدة نقداً، وصار لكل ريال او دينار حسابه في السياسة: نعطي من يعطينا ونمنع عمن يعارضنا ويخالف سياساتنا ومطالبنا منه..
وفي حالات كثيرة تبدت دول النفط والغاز “أكرم” مع الاميركان خاصة والغرب عموماً، منها مع اشقائها العرب، خصوصاً إذا هم أصروا على ممارسة قرارهم الوطني المستقل.
لكن ذلك لم يمنع الانفاق المفتوح على الحملة الهمجية على اليمن، التي تكاد تدمر معالم العمران والتراث الثقافي الغنى في البلد الذي اعطى الامة فرسان الفتوحات.
كذلك فان ذلك لم يمنع من تقديم عشرات المليارات من الدولارات للرئيس الاميركي ترامب الذي تباهى انه برحلة واحدة قد جنى ما يدعم الاقتصاد الاميركي ويؤكد تفوقه على اقتصاد دول العالم جميعاً.
الجمهوريات العربية تتحول إلى ممالك، فها هو الرئيس الجزائري يتطلع إلى ولاية خامسة سيمضيها، اذا أطال الله عمره، على كرسي متحرك..
وها هو الرئيس السوداني عمر البشير يمدد لنفسه، مرة بعد اخرى مع مراعاة الشكل.
والراحل معمر القذافي حكم ليبيا لأكثر من اربعين سنة، بلا انتخابات.
والراحل علي عبدالله صالح حكم اليمن لأكثر من ثلاثين سنة.. بالديمقراطية.
ومن قبل حكم الرئيس محمد حسني مبارك مصر لأكثر من ثلاثين سنة، من 14 تشرين اول (اكتوبر) 1981 ولغاية 11 شباط (فبراير) 2011.
لا فرق عند العرب بين الملوك ورؤساء الجمهورية.
*****
الديمقراطية عند الحاكم العربي لزوم الزينة، او القناع التنكري الذي يغطي به سلطة القمع والتفرد بالقرار.
في كل دولة عربية مجلس ما، نيابي او للشورى، وأحيانا مجلسان أحدهما “نيابي” والثاني “شورى”، لكن القرار دائماً مفرد لا شريك فيه ولا من يستشار.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فان العالم لا يعرف ـ مثلا ـ من أتخذ في السعودية القرار بالحرب على اليمن التي تهشمت دولتها بعد خلع علي عبدالله صالح وقيام “ائتلاف وطني” سرعان ما اشترت السعودية بعض اطرافه في الشمال، بينما تكفلت الامارات بشراء من تبقى من الاعيان في الجنوب، واتخذت من عدن قاعدة لها… قبل أن تقرر، مع الرياض وبناء على طلبها استكمال “تحرير” اليمن من اهلها فكان الهجوم على الحديدة بالتزامن مع الهجوم على حرض وصعده، وهي من قلاع الحوثيين أي الزيود، لكي يكتمل تزوير الحرب الباغية وتصويرها على انها حرب طائفية بين الشوافع (السنة) والزيود (الشيعة) الذين يحظون بدعم ايراني.
هل يحق للمواطن العربي أن يسأل لماذا الحرب على اليمن، بكل أكلافها، بدل أن تكون من اجل فلسطين. التي تتفجر فيها، وانطلاقاً من غزة، الانتفاضات المتوالية منذ شهرين وأكثر، ويتساقط الشهداء والجرحى يومياً ولا نصير.
..ولماذا يستمر التآمر على سوريا وترفض اميركا التي تحتل جنوبها (درعا ومعظم حوران) أن يعود الجيش السوري إلى هذا الجزء من وطنه.. وهو المسؤول الاول والأخير عنه.
إن الدول البلا تاريخ، والتي استولدها المستعمر بعد اكتشاف النفط او الغاز في ارضها او بحرها، تتجاوز المحرمات مسلحة بثروتها، فتتواصل مع العدو الاسرائيلي سراً وعلنا، وتسمح بفتح السفارات والقنصليات له فيها، ثم تندفع ـ وقد اسكرتها الثروة ـ إلى تغذية الحرب على بلاد التاريخ: تسلح وتمول العصابات الارهابية في سوريا، وتحاول اثارة الفتنة الطائفية في العراق، وتحرض الاطراف السياسية في لبنان بنفس طائفي حتى لا يكون استقرار والذريعة دائماً ايران.. كأنما شهداء المقاومة من اجل تحرير ارضه التي كانت يحتلها العدو الاسرائيلي، قد جاءوا مباشرة من طهران إلى كفرشوبا وبنت جبيل وعيترون.
إن هذه الدول البلا تاريخ تعظم دور ايران حتى تكبر بخصمها..
ولكن هذا الكبر انما يتم على حساب الامة.. فعندما يتعاظم حجم الصغير بنفطه او بغازه، يتصاغر حجم الكبير نتيجة فقره واحتياجه..
وهكذا يختل التوازن الطبيعي وتدفع الامة من رصيدها التاريخي ثمن هذا الاحتلال، كما يتعاظم العدو وينكشف بؤس القرار العربي حتى يصل الامر إلى القدس الشريف وهل تكون كلها للعدو الاسرائيلي ام يستبقى بعضها لشعبها الذي كان دائماً شعبها عبر التاريخ ، وتقام خيمة دولته في ابوديس..
إن سبب الهوان العربي عربي، حتى لو تمت تغطيته بمطامع الاستعمار والامبريالية والصهيونية الخ..
وما لم تستقر هذه الحقيقة في وجدان اصحاب القرار فلا نصر ولا تحرير ولا غدٍ أفضل.
تنشر بالتزامن مع السفير العربي