أروع ما في هذه الانتفاضة الشعبية التي انزلت الجماهير الغافلة او المنومة بخدر الطائفية، انها نبهت الناس إلى مكامن الفساد ووجوه الخلل في حياتهم العامة.
كشفت الانتفاضة المقصرين في الادارات العامة الرسمية، وفضحت المرتكبين بالأسماء والمواقع، وواجهت بعضهم مباشرة واصدرت بحقهم احكاماً مبرمة.
تجاوز المنتفضون دور الشاكين والمتباكين على انعدام الانصاف وتطبيع او اضاعة الحقوق العامة، حقوق الناس في بلادهم إلى “مقاضاة” الفاسدين والمفسدين والتطوع لرفع الدعاوى عليهم لمقاضاتهم والاقتصاص من اهمالهم او تجاوزهم القانون خضوعاً لمنفذ او كشفاً للمرتشين والمزورين.
ولقد اقتحم المتظاهرون بعض الوزارات والادارات العامة فضلاً عن عدد من مراكز المصارف وفروعها وحطموا واجهاتها اعتراضاً على استغلالها حاجة الناس وتلاعبهم بسعر صرف الدولار.
تولى المتظاهرون دور الضمير او المدعي العام المسؤول عن محاسبة المزورين والمستغلين والجشعين والطامعين، وطالب بمحاكمتهم لإدانتهم بتهمة تجويع الناس.
كان المتظاهرون ضميراً اجتماعياً، ومحكمة ميدانية أخافت المحتكرين والمزورين، ودفعت بعضهم إلى الهرب لحاقاً بثرواتهم التي حولوها إلى مصارف الخارج.. لهذا ارتفعت صيحات غضب المتظاهرين المطالبين بمحاسبة حاكم المصرف المركزي ايضاً.
لقد استولدت الجماهير الغاضبة، المجوعة، والمهدورة كرامة رجالها ونسائها وطناً لشعب بديلاً من كيان الطوائف والمذاهب التي حكم بإسمها اهل الطبقة النافذة، المرتشية والراشية، والتي منعت أن يكون لبنان وطناً واصرت على أن يبقى كياناً الحكم فيه للأكثر فساداً والمشبوه بولائه لوطنه والمتهم بانه عميل للخارج.
لقد خلق الشعب وطنه.
أخيراً صار لبنان وطناً وصارت طوائفه شعباً.