كيف يمكن لنظام حاكم في ما يفترض انها “جمهورية” ونتيجة ما يفترض انه: “استفتاء شعبي” على رئاسته مفتوحة المدة والمدى، اذ لا دستور يحاسبه، بل هو يعصمه، أن يدعي رعاية “الجمهورية” وحماية الحريات، واحترام القانون، وهو يقضي (اثناء غيابه عن بلاده) بسجن نخبة من المفكرين واصحاب الرأي الذين لم يتعرضوا له ولنظامه الدكتاتوري بكلمة سوء، بل التزموا “الحدود المرسومة” بالرقابة الصارمة لكل ما يكتب او يقال ولو همساً؟
ومن هو هذا الدكتاتور الأمي المولج بمحاسبة الناس على افكارهم واحلامهم وخواطرهم اثناء حلاقة ذقونهم، مثلاً، او وهم يستحمون؟
لقد تصادف أن كنا في القاهرة لمدة ثلاثة ايام، وغادرناها الثلاثاء وعبرنا ميدان التحرير وسط حشد من رجال الشرطة والمباحث وأمن الدولة والمخابرات العامة، الخ.. وكلهم كان يستعجل السيارات أن تعبر بسرعة، وكأنهم يتوقعون مرور شخصية رسمية مهمة، او يطمئنون إلى أن “الناس” لن يتجمعوا لمباشرة تظاهرة جديدة.
تجولنا في بعض انحاء القاهرة وفي الضواحي ـ المدن الجديدة نهاراً وليلاً، فلم نلمح او نستشعر ما يريب.. وصدقنا ما قيل عن “تظاهرة المصادفة” التي اقلقت النظام إلى هذا الحد وجعلت عسسه يتجرأون على اعتقال نخبة من مثقفي مصر وصحافييها ممن لم يشاركوا قطعاً، في “تظاهرة المصادفة”.
قال السائق الصعيدي الذي اقلنّا إلى المطار في طريق العودة: مصر ولادَّة، وأهل الحكم عابرون.. فينك يا جمال. اصله كان صعيدي، زيي، ورفع رأسنا وخلانا مركز الكون. وجاء السادات من بعده، بس يا خساره، ما كانش يصح انه يروح بلد العدو، اسرائيل، ومبارك مسكين لا هو كده ولا كده..
آه طيارتكم الساعة كم؟
لكن النظام العربي، بملوكه والرؤساء، لا يتعلم من دروس الماضي. انهم يتجنبون الانجاز ويواصلون القمع، وقمع المثقفين وأهل النخبة بشكل خاص، حتى اولئك الذين لا يكتبون في السياسة بل انهم لا يجدون ليكتبوا عنها وفيها..
وبالتأكيد فان مجمل ما كتبه حسن نافعة وحازم حسين وخالد داوود ورفاقهم الذين اعُتقلوا معهم لم يكن يشكل خطراً على النظام، بل كان شهادة أن نهر الثقافة في مصر يجري بغزارته المعهودة وينشر الخضرة والرواء ويوفر اسباب الحياة لأهل الوادي!
ليس مهما أن نعرف “الجماعة الارهابية” الوهمية التي اتهم بالانتماء اليها هؤلاء النخبة من الكتَّاب والصحافيين الذين لم يعرفوا بالتطرف وكانت تحليلاتهم واحاديثهم هادئة، فهم لا يحبون الصدام ولا يرفعون اصواتهم في النقاش وليست لهم مواقف حادة من نظام السيسي.. الذي عرف بتطرفهم وهو يتقدم من منبر الامم المتحدة، التي اقيمت اعترافاً وتكريما لحقوق الانسان (في الاصل)، وقبل أن تتحول إلى “تكية” للكلمنجية ومنافقي الولايات المتحدة ومصالحي العدو الاسرائيلي..
تعجَبينَ مِن سَقَمي …………….. صِحَّتي هِيَ العَجَبُ