بديهي أن يُظهر اللبنانيون حرصا بالغا على نجاح الرئيس إميل لحود ومسيرة عهده، ليس فقط لأنهم يقدّرون فيه صفات مميزة كسلامة التوجه الوطني والالتزام القومي ونظافة الكف واحترام الدستور والقانون، بل أيضا لأنهم بحاجة ماسة الى هذا النجاح.
ولكونهم مطمئنين إلى النهج السياسي، وطنيا وقوميا، فإن ما يشغلهم ويعنيهم هو النجاح في تفريج ضائقتهم المعيشية.
والمدخل الطبيعي أن تنجز حكومة العهد الأولى، وفيها إضافة إلى رئيسها الدكتور سليم الحص من يمكن الركون إلى نزاهتهم وعلمهم، »خطة« لإنعاش الاقتصاد الوطني وإخراجه من أزمته الخانقة، نتيجة لضغط الديون وخدمتها من جهة، والعجز المتفاقم في الموازنة من جهة ثانية، والشح في الواردات وانعدام المساعدات والهبات من جهة ثالثة.
ويستطيع اللبنانيون أن يصبروا شهرا أو أكثر، بعد، في انتظار إنجاز »الخطة«، كما أنهم على استعداد لأن يساعدوا دولتهم على زيادة وارداتها، ما داموا مؤمنين بعدالة توزيع العبء، فلا يلقى على الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى بينما يتهرّب الأغنياء والميسورون من دفع ما يتوجب عليهم من ضرائب على أرباحهم… الشرعية، اما الأخرى فلا يعرفها أحد ليقتطع منها الضريبة!
ويأخذ اللبنانيون على العهد السابق الكثير من القصور، وهم يحاكمونه بمنطق أهله أنفسهم الذين تبادلوا اتهامات قاسية كما تبادلوا التشهير بعضهم بالبعض الآخر، رؤساء ووزراء ومسؤولين عن مؤسسات عامة ومجالس وصناديق الخ..
واللبنانيون مع المحاسبة، وفق الأصول، لكل من أخطأ أو ارتكب أو تجاوز القانون أو أهدر مالاً عاماً أو استغل نفوذا، ناهيك بمن توجه إليهم أصابع الاتهام بالتورط في صفقات جنوا منها مالاً حراماً يقدّر بالمليارات، اقتطع من قوت الناس، وهو بين أسباب الأزمة الاقتصادية الراهنة، سواء منها الركود المخيم على الأسواق، أو جمود حركة الاستثمارات، بكل انعكاساته السلبية على مختلف القطاعات، وهي انعكاسات باتت تنذر بالأسوأ من التوقعات.
والمحاسبة غير المكايدة وغير التشهير الشخصي.
كذلك فلا تكون المحاسبة انتقائية أو ظرفية، تتناول شخصا أو أشخاصا بعينهم ومسألة بالذات من دون المسائل الأخرى من بين وجوه الهدر أو الارتكاب أو إساءة استخدام المال العام، ناهيك باختلاسه أو بإساءة التصرف فيه.
المحاسبة منهج متكامل، وله مؤسساته المعنية وله أصوله التي إن وقع إخلال بها أعطت نتائج عكسية.
والخطر في حالتنا هذه الأيام اننا قد نجني الآثار السلبية للمحاسبة ان هي بترت أو صعبت تبرئتها من الكيدية، بغير أن نصل بها الى خاتمتها الصحيحة أي المباشرة في تطهير الحياة السياسية من المفسدين والادارة من الفاسدين والحياة العامة من أبطال الصفقات والسماسرة الذين ينهبون خبز الناس ويسيئون إلى صورة البلاد.
ولذلك كله خطته وأصوله وأدواته وقوانينه التي لما يباشر في إعدادها.
فأهم من المحاسبة خطة الاصلاح الشاملة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
وليست أفضل تزكية لهذا العهد أن يظهر مساوئ العهد الماضي، فلا يحتاج المواطن إلى أدلة على الاختلاف البيّن بينهما.
كذلك فليست أوضاع البلاد من المتانة بحيث تتحمل صدمات متوالية تهز الثقة بكل مؤسساتها، وتشهِّر بكل ما تمّ بناؤه أو إنجازه، مهما كان قليلاً أو ناقصاً.
ان بعض التشهير يصيب صورة لبنان أكثر مما يصيب العهد الماضي، ويزيد من حدة الأزمة الاقتصادية بدلاً من أن يفرجها.
والغد يشغل بال الناس أكثر من الأمس، بما لا يقاس.
والأمل معقود على العهد باستنقاذ الغد،
وحول الغد يجب أن تتلاقى الإرادات والقدرات.