طلال سلمان

كلنا»حزب له«

تكون مع الاحتلال الإسرائيلي، مجندù لحمايته، عاملاً لإدامته، أو تصنّف إرهابيù، على الفور.
والخيار الذي تفرضه إسرائيل، بالقوة العسكرية، كما بالتغطية السياسية الأميركية (والدولية) بسيط ومحدَّد تمامù: مَن دخل نعيم احتلالي فهو آمن، ومَن رفض الاحتلال فقاومه، أو اعترض عليه فلم ينتظم في سلك حراسته، أو ساند المقاومة بيده أو بقلبه أو بلسانه أو امتنع عن رفع السلاح في وجهها فهو »إرهابي«.
و»الإرهابي«، بعد شرم الشيخ وبموجب مقرراتها، معاد »للسلام«،
و»السلام« بعد النصوص التنفيذية للجان المتابعة لمقررات شرم الشيخ هو ابن شرعي للاحتلال… وهكذا تستقيم المعادلة: مَن يقاوم الاحتلال عدو للسلام، وكل رافض للاحتلال إرهابي، ومَن يقاوم الاحتلال الاسرائيلي يضع نفسه في خانة أعداء الولايات المتحدة الأميركية ونظامها العالمي الجديد.
بصيغة أخرى: فكل مَن يناصر شمعون بيريز ويدعمه ويوفر له المزيد من التأييد في معركته الانتخابية هو من أهل السلام الذي يعني دوام الاحتلال، وكل مَن يعارضه فهو إرهابي مصيره إلى جهنم وبئس المصير.
وعلى لبنان، لكي ينجو من العقاب بتفجير »عناقيد الغضب« فيه، أن يقضي بيده على روح المقاومة كما على رجالها، وأن ينظّم تظاهرات التأييد للاحتلال ليوفر تزكية نادرة المثال لبطل السلام شمعون بيريز،
أما إذا كابر اللبنانيون فعليهم أن يتحمّلوا النتائج وأخطرها الضغوط الأميركية القاسية، ومن ضمنها تعطيل مجلس الأمن كمرجعية، وإقفال أبواب الشكوى، مجرد الشكوى أمام السلطة اللبنانية، دوليù،
أما النتائج الميدانية فهي تحويل لبنان، وعلى غرار الداخل الفلسطيني، إلى معسكر اعتقال جماعي، يهجَّر أهله من أنحائه كافة إذ لا يبقى فيه مكان آمن، فيلتقي المهجَّر من الجنوب الهارب إلى الإهمال في بيروت بالمهجَّر من بيروت وضاحيتها الجنوبية إلى الجنوب المحاصَر والمزروع بالموت والحرائق والدمار، ويلتقي المهجَّر من البقاع الآتي إلى وهم الأمن والخبز في بيروت بالمهجَّر من بيروت وضاحيتها ساعيù وراء وهم الأمن والخبز في البقاع وهلمجرù،
ومع اكتمال الاعتقال الجماعي بالحصار البحري، يشتد تركيز القصف على المرافق ومؤسسات الانتاج مما يشل الحركة تمامù ويعطل الدورة الاقتصادية ويُظهر لبنان منطقة خطرة وغير آمنة مما يمنع عنه الرساميل والاستثمارات وصولاً إلى القروض ولو بشروط مجحفة.
لقد دفع العرب عمومù، قبل أربع سنوات، ثمن »الإسقاط الأميركي« لإسحق شامير وتأمين الفوز لإسحق رابين في الانتخابات السابقة غاليù جدù،
لكنهم الآن مطالَبون بثمن لا يستطيعون دفعه من أجل تأمين الفوز الساحق المطلوب أميركيù لشمعون بيريز،
إن مجموع المطلوب دفعه ثمنù للزعامتين الراحلة والمقبلة يفوق كل الأحلام والأوهام والأماني والآمال التي سُوِّقت فبيعت باسم »السلام الآتي« وترويجù له.
إنه »سلام« أعظم كلفة من الاحتلال، وأبأس معنى من الهزيمة المطلقة. هو »سلام« يلغي قيمة الحياة وكرامتها، ويدفع الناس دفعù إلى المقاومة لأنها تحمل بذور الأمل في تغيير الواقع المهين المفروض.
* * *
كلنا، اليوم، »حزب ا”« في نظر إسرائيل،
وكلنا، اليوم، »حزب ا”«، بفضل هذه الحرب الإسرائيلية، إن لم يكن بخيارنا الحر.
المحايد عميل للاحتلال، والصامت متواطئ معه، والمتنصل خارج على الوطن والوطنية ومهدَّد بأن توجه إليه تهمة الخيانة.
فالخيار أمام أي مواطن في الجنوب خاصة ولبنان عمومù، كما أمام أي مسؤول في الدولة، هو أن يتحول إلى مخبر (غير مقنّع) يعمل للاحتلال، فيشي بالمقاومين ويسلِّمهم إلى مقصلة المحتل، ويبيح لهم أرضه وعائلته وتاريخه ومستقبله.
لا محايد، في نظر الاحتلال الإسرائيلي، ولا بريء،
والإنذارات التي توجهها القيادة العسكرية للحرب الإسرائيلية تُخيِّر اللبنانيين عمومù بين الموت قتلاً، أو بين الموت عارù: فهم إما مقاومون منذورون للموت، وإما مرشحون للخيانة يشترون سلامتهم بأكل لحم إخوانهم نيئù.
و»حزب ا”« في هذه اللحظات، ليس حزبù، ولا تنظيمù قائمù بذاته منفصلاً عن الناس ومستقلاً عنهم. إنه كل الناس. إنه الأرض بزيتونها وعطر زهر ليمونها وشميم الوزال والقندول.
لم يكن »حزب ا”« ممثلاً للبنان واللبنانيين، وللعرب والمسلمين، كما هو اليوم.
لقد بات خارج السياسة. لقد استقر في الوجدان رمزù لإرادة الصمود والتحرير.
فليس »حزب ا”« جالية أجنبية، ولا هو قوة وافدة من الخارج، ولا هو نزوة عارضة لمجموعة من المغامرين.
وهو في هذه اللحظة ليس طرفù في صراع داخلي، ولا هو يمثل فئة دون غيرها.
وبغض النظر عن تركيبته الداخلية فإنه الآن يمثل شرف اللبنانيين جميعù، دولة وشعبù،
إنه حزب الوطنية في لبنان. إنه يحمل السلاح ليحمي الأرض. إنه يقف فوق أرضه ويقاتل من أجل أرضه وشعبه. والطارئ هو الاحتلال. والمعتدي هو الاحتلال. و»حزب ا”« لم يذهب إلى تل أبيب مطاردù الإسرائيليين في أرزاقهم ومحاولاً اقتلاعهم من البيوت التي انتزعوها من أصحابها الشرعيين. إنه يحمي أهله في بيوتهم.
إنه الآن حزب اللبنانيين جميعù، على اختلاف طوائفهم وتوجهاتهم السياسية.
* * *
إنها حرب أميركية بقدر ما هي حرب إسرائيلية،
ولبنان الدولة هو اليوم كما لبنان المواطن، مثل طفل يتيم مرمي في الصحراء لا يجد مرجعù صالحù يذهب إليه ولو ليشكو.
فلقد ألغت الولايات المتحدة ومنذ زمن بعيد الأمم المتحدة ومجلس الأمن كمرجعية شرعية عامة،
ثم أنها أسقطت مؤتمر مدريد والمفاوضات السلمية بالضمانات الأميركية لكي توفر لشمعون بيريز حرية الحركة لكسب انتخاباته التي تسخِّر لها الآن العالم كله،
وها هي تسقط »تفاهم تموز 1993«،
بل وتكاد تعلق اعترافها بالدولة في لبنان على موقفها من »حزب ا”« فإن هي تورطت في الصدام معه نالت الرضا الأميركي، وإن هي تركت له هامش الحركة كمقاومة للاحتلال تعرضت للعقاب الصارم!
* * *
إنها أيام قاسية، لكنها امتحان عظيم للبنان واللبنانيين،
والصمود في هذه المحنة يوفر للبنان فرصة لمستقبل مجيد.
فليكن الصمود قرارنا، خصوصù وأنه الخيار الوحيد المتاح.

Exit mobile version