طلال سلمان

كل سيدفع ضريبة سقوط في فلسطين عراق ولبنان

من لبنان إلى اليمن مروراً بأقطار المشرق العربي عموماً، وإن كان العراق وفلسطين يحضران بدمائهما، ومن مصر إلى أقصى المغرب مروراً بليبيا وتونس والجزائر بغير أن ننسى السودان (حتى لو تناسينا الصومال!) تبدو الطبقة السياسية إذا صحت عليها التسمية أضعف بما لا يقاس من السلطة التي تتولاها. إنها تحكم من خارج السياسة، ولذلك فأكثر ما يتبدى من مظاهرها القمع الذي يؤكد عجزها أكثر مما يدلل على قوتها.
والدكتاتورية ضعف مطلق وليست شهادة على قوة النظام أو تماسكه.
ولأن المجتمع في لبنان يكاد يكون مستقلاً عن السلطة فإن ضعف الحكم ينعكس انقساماً سياسياً هو القناع لتشققات طائفية ومذهبية تتجاوز في خطورتها أحياناً قدرة الطبقة السياسية (التي غالباً ما تستولدها) على توظيفها لمصلحتها، خصوصاً وأن التقسيم (الفعلي) ضد مصالح هذه الطبقة.
مع ذلك فإن قصور الطبقة السياسية، فكراً وخبرة وقدرة على التنظيم وصدقاً في الشعار، يجعل مصير البلاد، في كيانها ووحدة شعبها، في خطر دائم.
وإذا ما توقفنا أمام ما يجري من أحداث مأساوية في فلسطين لتبيّنت لنا فداحة الخطورة التي يجسّدها ضعف السلطة، كما يجسّدها ضعف المعارضة عندما تعلق في شبكة طلب السلطة، ولو في موقع الشريك.
إن السلطة المنهكة بفسادها وبتنازلاتها السياسية المتوالية التي ذهبت بقيمتها الوطنية، ولم تبق منها إلا كونها أكبر رب عمل، بل رب العمل الوحيد لأكثر من مئة وأربعين ألف فلسطيني.
أما المعارضة التي خاضت الانتخابات لإثبات قوتها في موقعها الهجومي، فقد ورّطها فوزها المباغت في شراكة غير متكافئة مع السلطة القائمة: فلا هي شريكة فعلية في القرار السياسي، إلا من موقع الاعتراض، ولا هي صاحبة قرار في الشأن المالي، بل وجدت نفسها مضطرة لاستنزاف رصيد صداقاتها الإسلامية من خارج الإطار الرسمي، لتأمين مبالغ لا تكفي لا لدفع الرواتب ولا لإدامة الإدارة، في حين بوغتت بأن السلطة التي رفضت شراكتها وانقلبت إلى موقع المعارضة تتجاوز رفض التعاون معها إلى التورط في محاصرتها، مما جعل المواجهة بين السلطتين اللتين تعارض كل منهما الأخرى حتمية، وفي الشارع، وبالسلاح..
ولأن الدول العربية المحيطة واقعة تحت ضغط الإدارة الأميركية التي تصدرت الهجوم على حكومة حماس، تاركة لإسرائيل موقع المحرّض على الفتنة (بالمال والسلاح!!) فقد امتنعت عن بذل مساعيها الحميدة منحازة إلى القرار الأميركي مما مكّن إسرائيل من أن تغدو في موقع الصوت المرجح لسلطة محمود عباس ولو كان الثمن الفوضى المسلحة التي تذهب بآمال الفلسطينيين في الصمود، مجرد الصمود أمام الخطة الإسرائيلية لتذويب الأرض والإرادة (فضلاً عن الاتفاقات من أوسلو إلى خريطة الطريق).
وذروة المأساة أن الغارات الإسرائيلية لتصيّد المجاهدين الفلسطينيين لم توقف المصادمات بين الفتحاويين (أهل السلطة الفعلية بامتيازاتها والحمايات) وجماعة حماس الذين جمّدوا كفاحهم ضد إسرائيل ليتفرغوا لمواجهة الخصم الجديد الذي يريد إسقاطهم في الشارع بطردهم من السلطة… اللهم إلا إذا قبلوا الخيار المر، بل المستحيل، أن يدخلوا مع أهل الحكم ، في مناقصة عنوانها من يتنازل أكثر من الآخر لإسرائيل!
بالمقابل فإن التنازلات التي قدمها الطرف الأقوى من أجل تشكيل حكومة ائتلافية تحت الضغط الأميركي الثقيل، وفي ظل المفاوضات مع تاجر السجاد الإيراني (كشريك) لم تسهّل الأمر كثيراً، بل أن نجاح الاحتلال الأميركي بالتعاون مع أجهزة مخابرات عربية عديدة، أبرزها الأردني، في قتل رجل الفتنة المعلنة، الزرقاوي، لم يؤد آلياً إلى قيام حكومة قوية، ولا إلى وقف الفتنة. فالقوة للاحتلال، وبين مصادرها الفتنة، وغبي من يطالبه بالقضاء على أسباب قوته.
على أن ما لا تدركه الأنظمة العربية المتهالكة، والقائمة في مختلف المشرق والمغرب، أن ما يحدث في فلسطين والعراق وفي السودان (وفي لبنان بنسبة أقل) قد ذهب بمعظم مبررات وجودها في الأقطار التي تحكمها بالحديد والنار والدولار، مضافاً إليها الشكل الديموقراطي بالطلب الأميركي.
إن جميع الأنظمة ستدفع، وبسرعة، ثمن ما يحصل في فلسطين والعراق… ولبنان! حتى لا يتصور أحد أن هذا الوطن الصغير قد استعاد عافيته أو هو في الطريق إلى استكمالها.
لكن المفجع أن من يحصد النتائج هو الاحتلال الأميركي والعدو الإسرائيلي.
أما الديموقراطية والدعوة إلى الإصلاح فمتروكة للفوضى المنظمة التي تنتشر ناشرة معها وباء الانقسام، طائفياً ومذهبياً وجهوياً، حيث أمكن وسياسياً في الحالات جميعاً.

Exit mobile version