من مقاتل الموقف العربي في “مؤتمر السلام” العتيد أنهم أطراف وليسوا طرفاً واحداً، وأنهم وفود شتى وليسوا وفداً موحداً منسق الحركة محدد المطالب العام منها والتفصيلي أو الإقليمي أي الذي يخص كل قطر على حدة.
والأخطر من هذه جميعاً إن “الفلسطيني” يعامل بذاته وكأنه “طرف ثالث” بمعنى إنه ممنوع من أن يكون عربياً، تماماً، في حين لم ينجح المسعى في أن تكون قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن هي مرجعه الشرعي الفعلي وإن لم تكن هويته.
ويزيد من صعوبة هذا الوضع إن قيادة منظمة التحرير لا تبذل، حتى الساعة، ما يكفي من الجهد لاستعادة الوحدة الفلسطينية، مهما كانت التضحيات المطلوبة، وتحصين موقفها بما يؤكد إنها الممثل الشرعي الوحيد فعلاً والقوي جداً نتيجة صحة تمثيلها لكل فلسطيني سواء أكان من أهل الداخل أم من الشتات، من القدس أم من نابلس أم من غزة أم من الجليل أم حتى من يافا والناصرة وصفد، وسواء أكان من فتح أم من الشعبية، من الديمقراطية أم من القيادة العامة أم من المجلس الثوري أم من “الحزبين” الشيوعي أم ممن اتفاق على تسميتهم “المستقلين”.
وجيد أن تقرر قيادة المنظمة عقد مؤتمر وطني فلسطيني استثنائي خلال شهر أيلول المقبل، لكن شرط نجاح هذا المؤتمر أن يأتي كضمانة إضافية للوحدة الوطنية وليس كتظاهرة تؤيد القيادة ضد من تعتبرهم “خصومها”، وتكرس من ثم الانقسام وتحوله إلى “مؤسسة” سياسية تبطل معنى المشاركة الفلسطينية في المؤتمر وتجعلها شكلية ومؤذية للقضية ومستقبلها.
الأهم من الدعوة: الاتفاق على مهمة هذا المجلس الوطني،
ومصدر الخطر على الدعوة إن إعلانها لم يوقف سيل المواقف والتصريحات المعبرة عن استعدادات غير محدودة للتنازل، بحيث تتحول مهمة المؤتمر إما إلى مجرد “البصم” على ما تم التنازل عنه فعلاً، في غياب المعارضين والمعترضين، وإما إلى دليل إثبات على فشل الفلسطينيين في توحيد موقفهم وتحديد مطالبهم بحيث يفقدون جدارتهم وأهليتهم وصحة تمثيل قيادتهم لهم، وبالتالي حقهم في الحصول على ما هو أبسط حقوقهم في أرضهم.
لقد استهلكت الانقسامات الفلسطينية التي تتحمل مسؤوليتها بشكل أساسي قيادة منظمة التحرير، من غير أن تسقط مسؤولية الأنظمة العربية عموماً (والمنظمة منها ومثلها) والأوضاع العربية السائدة (والقاتلة)… استهلكت هذه الانقسامات شعارات عظيمة ومراحل نضالية مجيدة، من الكفاح المسلح إلى الانتفاضة إلى الرباط المقدس بين الفلسطينيين وسائر العرب،
وإذا كان الحديث عن الشعب والجماهير ووحدة الأمة قد بات من تراث الماضي وذكرياته “المهربة” فإن قيادة منظمة التحرير تتحمل أكثر من أي نظام عربي مسؤولية ضياع تلك المسميات التي كانت تعبر عن وجودها فعلياً عبر الإيمان بقضية فلسطين والالتفاف حولها والمشاركة في أبعاء النضال لتحريرها.
كانت فلسطين – القضية بين مقومات وحدة الأمة وتبلور الإرادة الشعبية،
أما “دولة فلسطين” فهي ظاهرة مرضية تعبر عن الانقسام الخطير على المستوى القومي كما على المستوى القطري، بل وحتى داخل جماهير “الشعب” الفلسطيني ذاته.
المهم الآن: إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحصر الأضرار وتحديد الخسارة.
والوحدة الفلسطينية شرط بديهي لمباشرة مثل هذه المهمة،
وغير معقول أن يسمع المواطن العربي، بوتيرة شبه يوميةن من ياسرعرفات ما يؤكد استعداده للقاء شامير وشارون وأرينز وبيريز الخ، وما يعلن عنه من أنه يمد يده إليهم مجتمعين وإلى كل منهم، ثم يمتنع “القائد العام للثورة الفلسطينية” عن مد يده إلى رفاق سلاحه واصفيائه وصحبه الذين سبقوا أو رافقوا أو واكبوا أو التحقوا متأخرين بموكب النضال الوطني الفلسطيني في أطواره المختلفة: من العمل السري إلى العمل السياسي العلني إلى الانتفاضة الخ.
أيعقل أن يكون عرفات مستعداً للقاء شامير ولا يلتقي رفيقه “أبو موسى” أو “أبو جهاد أحمد” أو عبد المحسن أبو ميزر أو حتى “أبو نضال”.
الوحدة بالنسبة للفلسطيني شرط لدخول المؤتمر، ومع كونها ضرورة بذاتها ومطلوبة بذاتها فإن عرفات يعرف جيداً إنه من دونها لن يستطيع تسمية الوفد، فإذا سماه كان كمن “يحرقه” ويستعدي عليه من جعلهم في موقع أعدائه.
وقديماً قال الجاحظ: من ثقل عليه صديقه أو رفيقه خف عليه عدوه.
والسلام على من أتبع الهدى!