طلال سلمان

على الطريق تصدير الديموقراطية… بالإرهاب!

ألبس الرئيس بيل كلينتون “الديموقراطية” ثياب المارينز وجهزها للتصدير على ظهر حاملة الطائرات “ايزنهاور” إلى هايتي،
وربما اضطر، خلال العمليات القتالية التي ستصاحب الغزو، إلى إسقاطها بالمظلة كهدية أو منحة أميركية للمليون فقير في تلك الجزيرة الصغيرة التي تحرم الرئيس الديموقراطي نعمة النوم منذ أن استولى عسكرها على مقاليد الحكم فيها.
هل هو مجرد التباس أم أنه خلط مقصود بين الديموقراطية والإرهاب؟!
المدافع مرة أخرى في خدمة الديموقراطية،
ولكي يثبت الرئيس الأميركي تأصل النزعة الديموقراطية في نفسه فإنه لا يتورع عن الاعتراف العلني: “اعرف أن أكثر من ثلثي الأميركيين يعارضون غزو هايتي، وأنا آسف لذلك، واعرف أن الكونغرس غير موافق بأكثريته، ولكنني مصر على الغزو. ومرة أخرى أنا آسفلذلك”!
لكم هو نبيل هذا الأسف الديموقراطي!
أي أن كلينتون الذاهب بلباتس الحرب إلى هايتي لنصرة الديموقراطية فيها لا يبدي خضوعاً أو امتثالاً أو إيماناً عميقاً بالديموقراطية في بلاده ذاتها،
يحطم الديموقراطية الأميركية العريقة من أجل إعادة رئيس منتخب ديموقراطياً إلى سدة الحكم في جزيرة ضائعة في البحر الكاريبي،
ولأنه على هذا الإيمان العميق بالديموقراطية فهو يفرض على بعض الأنظمة الديموقراطية حتى الثمالة في دول تافهة في أميركا اللاتينية، كما على بعض حلفائه التاريخيين عبر المحيط، المشاركة في قوة الغزو لإسقاط نظام الضباط في هايتي،
إن لم يكن هذا هو الغرهاب الدولي بعينه فكيف إذن يكون الإرهاب؟!
وكيف بهذه البساطة يمكن تبديل الاسم من “إرهاب دولي” إلى “ديموقراطية أممية”، يفرضها الآخرون من الخارج وبقوة السلاح على بلاد ليست بلادهم وفيها شعبها، ثم إنها أضعف من أن تشكل خطراً على أحد لأن عديد جيشها لا يتجاوز ألف وخمسمائة ضابط ورقيب وجندي، تعززه قوة شرطة من حوالي خمسمائة رجل!
بالأمس، وعندما قصفت مدافع الرئيس الروسي بوريس يلتسين مبنى البرلمان المنتخب (ديموقراطياً) في موسكو، كانت واشنطن ومن معها من الحلفاء يهللون فرحين بهذا النصر المبين لإرادة الشعب في إلحاق الهزيمة ببرلمانه الدكتاتور.
ها هو كلينتون يهزم أيضاً الكونغرس الدكتاتور في واشنطن، والشعب الأميركي الدكتاتور، لينصر الديموقراطية في هايتي… فشعب هايتي وحرياته أغلى بما لا يقاس من إرادة المائتي مليون مواطن أميركي ومؤسساتهم الديموقراطية!
صارت الديموقراطية، إذن، سلعة أميركية مفروضة على الأسواق الخارجية، من قبلها دخل جنة النظام العالمي الجديد، ومن رفضها جاءته قوات التدخل الدولي لتفرض عليه إرادة “شعبه” بالنار المهلكة!
إنها ديموقراطية حاملات الطائرات.
إنها ديموقراطية القطب الأوحد المهيمن والذي له وحده حق القرار في مصائر الشعوب وطبيعة الأنظمة التي تحكمها!
وفي نظر البيت الأبيض مثلاً، فإن النظام السعودي نموذج فذ للديموقراطية ولذلك فهو لا ينتقده مجرد انتقاد إلا إذا تأخر في إبرام واحدة من صفقات المليارات المهدورة على سلاح لن يستخدم أو مشاريع وهمية لا يقبلها العقل ولا تفرضها حاجة الناس إليها،
الديموقراطية، إذن، هي أن تخالف إرادة شعبك، وأن تقهر إرادة الشعب الآخر لتفرض عليه النظام الذي يرضى عنه، أصحاب الاحتكارات والمصالح الهائلة!
والحمد لله أن محاولة تعميم الديموقراطية الأميركية لم تتطلب، حتى هذه اللحظة، استخدام السلاح النووي، وغلا لككنا قد انتقلنا جميعاً إلى جنان الخلد… ديموقراطياً، وبأرقى وسائل الإبادة الجماعية!
والحمد لله، أخيراً، على أن سيد البيت الأبيض يبدي شيئاً من الرضا على الديموقراطية اللبنانية وخطة النهوض الاقتصادي، وإلا لكنا قضينا أبان محاولة التمييز بين الإرهاب الديموقراطي وبين ديموقراطية الغرهاب الدولي!
مسكين أيها الإرهابي الديموقراطي الفرد الفاشل: كارلوس! لو أنك فقط دولة عظمى!

Exit mobile version