طلال سلمان

على الطريق ترجمة أميركية للورقة العبرية!

أفضل تلخيص لنتائج الجولة العاشرة من المفاوضات العربية – الإسرائيلية في واشنطن جاء عبر ذلك القرار الاستفزازي الذي أصدره مجلس الشيوخ الأميركي، قبل أسبوع، حول الوضع في لبنان، كمقدمة لإعلان الحرب على سوريا.
فجأة، وبغير مقدمات مقنعة، ومن خارج السياق العام للتطورات، ارتدى مجلس الشيوخ الأميركي لباس “عاصفة الصحراء” وحدد هدف حربه الجديدة: سوريا، وبذريعة ما جرى في لبنان، وكذلكما لم يتم إجراؤه فيه!
فجأة ، وبغير مقدمات مقنعة، تكتسب بعض المنظات “اللبنانية” من موروثات “القوات اللبنانية” وميشال عون التي طالما استخدمتها قوى الضغط الصهيونية في “حروبها” ضد العرب، قدرة استثنائية “فتنتزع” من مجلس الشيوخ الأميركي – وبالإجماع – قراراً يحول لبنان إلى منطلق هجوم إسرائيلي جديد ضد سوريا!
فجأة، يصير لبعض أولئك الشيوخ “المتحدرين” من أصل لبنان، والذين لم ينجحوا في إرسال دولار واحد لمساعدة مسقط رأس آبائهم أو أجدادهم، ولا هم نجحوا في تأمين سيارة إسعاف واحدة لنقل ضحايا الحرب في لبنان، أهمية استثنائية فيجرون مجلس الشيوخ إلى التورط في حرب جديدة… ساحتها مرة أخرى بلاد التبولة والكبة النية والفتوش والفروج المسحب المشوي على الفحم!
وهم للمناسبة ممنوعون من مجرد زيارتها للاطمئنان على من تبقى فيها من أهلهم!
… كل ذلك بينما المفاوضون العرب، وفي مكان غير بعيد عن هؤلاء الأبطال الميامين، وفيهم أعضاء الوفد اللبناني المفاوض، يحزمون حقائب الخيبة والتعثر لكي يعودوا من واشنطن كما ذهبوا.
… وبينما “يهدد” وزير الخارجية الأميركية وارن كريتسوفر أولئك المفاوضين الشجعان بأن لديه ولدى رئيسه بيل كلينتون مشاغل أهم بكثير من دور “الوسيط النزيه” و”قوة الدفع” و”الشريك الكامل” لإنجاح “العملية السلمية في الشرق الأوسط”.
… وبينما “يهدد” رئيس وزراء الكيان الصهيوني إسحق رابين الإدارة الأميركية بأنه “لن يتسامح معها” مفترضاً أنها قد خضعت للطلب الفلسطيني فعدلت مشروع ورقتها حول إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي!
ولعل الورقة الإسرائيلية “الجديدة” التي قدمت إلى الوفد اللبناني المفاوض تصبح أكثر وضوحاً إذا ما قرئت في ضوء هذا القرار “الصهيوني “- نصاً وروحاً – الصادر عن مجلس الشيوخ الأميركي!
لكن ذلك القرار ترجمة أميركية للورقة العبرية!
فهذه الورقة الجديدة – القديمة التي لا تعني أكثر من محاولة تسلل إسرائيلية بهدف تصديع الموقف اللبناني وضرب وحدة الموقع التفاوضي للبنانيين والسوريين خاصة، وتشكيك كل مفاوض عربي بالآخر، تبدو وكأنها الطلبعة المنقحة من قرار مجلس الشيوخ الأميركي!
ونقاط التقاطع بين ما تضمنته الورقة العبرية والقرار الأميركي أوضح من أن تحتاج إلى توضيح: فمشكلة لبنان مع سوريا، ومع سوريا وحدها، وليس مع العدو الإسرائيلي! والانسحاب المطلوب هو انسحاب القوات السورية (الموجودة بطلب السلطات اللبنانية الشرعية) وليس قوات الاحتلال الإسرائيلي!
بل إن “الشيوخ الأميركيين” يذهبون إلى البعيد البعيد فيطالبون بفرض “حصار اقتصادي” على سوريا بتدابير فورية يطالبون الرئيس كلينتون باتخاذها، وبأوامر تصدر للمؤسسات المالية الأميركية والبنك الدولي ومجلس الاعمار، إضافة إلى العقوبات والقيود المفروضة سابقاً على سوريا، التي ما يزال هؤلاء “الإرهابيون” يضعونها على لائحة الإرهاب!
ماذا عدا مما بدا حتى تجددت الحرب الأميركية على سوريا، وعبر لبنان، وإن أمكن فبواسطته وبأصوات بعض “المتحدرين” منه؟!
وهل يمكن العثور على تفسير منطقي خارج نطاق الجهد الإسرائيلي اليومي المبذول لنسف الإطار السياسي والقانوني للمفاوضات الجارية الآن، وهو ذلك الذي أقر في عهد الإدارة الأميركية السابقة عبر مؤتمر مدريد؟!
وواضح أنه كلما تزايد النفوذ الصهيوني داخل إدارة كلينتون، وهو الآن، في ذروته، يتزايد ابتعاد هذه الإدارة عن الدور الذي تلزمها به مرتكزات مؤتمر مدريد وموجباته السياسية والقانونية وفي الطليعة منها رسائل التأكيدات والتطمينات للأطراف جميعاً والمستندة إلى قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام!
أهي مقدمات لمرحلة جديدة توشك أن تدخلها الإدارة الأميركية تحت وطأة النفوذ الصهيوني؟
وهل يكون قرار مجلس الشيوخ العنوان الصارخ، أو النعي الصارخ للمفاوضات الثنائية؟
أم إنها مناورة بالذخيرة الحية، أي بهذا الاستقرار الطري العود بعد في لبنان، لابتزاز العرب جميعاً، وفي الطليعة منهم دمشق، بحيث يحرجون فيخرجون من المفاوضات، ويتفرغ كلينتون ووزيره كريستوفر للمشكلات الأخرى الأهم، محملين العرب مسؤولية نسف هذا الجهد المبارك؟
ومرة أخرى، فإن القرار الأميركي مفتاح قراءة الورقة الإسرائيلية الجديدة – القديمة المقدمة للبنان، والتي يمكن اعتبارها دليل قراءة لنتائج المفاوضات وللتحولات المحتملة في السياسة الأميركية… الجديدة.

Exit mobile version