صدق أو لا تصدق، ولكن النظام العالمي الجديد قد تهاوى – بكل جبروته – وسقط على عتبة حاكم “مبدع” في “تنظيم نسل شعبه” ومتفوق في خسارة الحروب – التي يفتعلها – سواء أكانت من طبيعة “وطنية” كعودة “الفرع إلى الأصل” أو “قومية” مثل “قادسية صدام” التي “حمى” بواسطاتها “البوابة الشرقية” لهذا الوطن العربي الذي غدا بلا باب ولا بواب!
في كل يوم يصطنع هذا النظام الأقوى من قدر – كما يراه الاعراب – “خطة محكمة” للإطاحة ببطل “أم المعارك”، فتكون النتيجة أن يتزايد عذاب الشعب العراقي، بأطفاله ونسائه وشيوخه ورجاله و”النشامى”، وأن يتفاقم خطر الموت جوعاً في “أرض الرافدين” و”السواد” حيث لا حد للغنى بالموارد الطبيعية ظاهراً وباطناً،
ومع كل “خطة محكمة” جديدة تتعاظم الاهانات الموجهة لشعب العراق إذ يعامل وكأنه معاق أو قاصرن والأسوأ: وكأنه المقصر والمتقاعس، وهو الذي ضحى بالفتية الغر من أبنائه، وبالآلاف وعشرات الآلاف، من أجل استعادة حريته وكرامته ودور بلاده العظيمة الذي ضيعه هذا الحاكم المهووس بالسلطة.
كأنما المقصود تدمير العراق وإبادة العراقيين وشطب أية فرصة لحصر الأضرار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من القوة العربية المحتملة ولو مستقبلاً، وكل ذلك بذريعة السعي لإسقاط هذا الحاكم الذي لم يدفع شعب من الشعوب مثل ما دفع أبناء الرافدين للخلاص منه استنقاذاً للوطن الجريح.
كأنما المقصود “تحرير” صدام حسين من العراقيين، و”تحرير” خصوم الأمة العربية وأعدائها من العراق والعروبة..
وإذا كانت خطة مدير المخابرات المركزية الأميركية التي تم تعميم إخبارها قبل أن يركب سعادته الطائرة متجهاً إلى المنطقة، قد أوكلت مهمة التنفيذ إلى النظام السعودي، باعتباره النموذج الأكمل للبديل المنشود، فمن الممكن أن ينفع والحالة هذه القول المأثور: “ابشر بطول سلامة يا… صدام حسين”!!
فالنظام السعودي مثل الأميركيين ومن معهم: ضد العراق وليس ضد صدامز
أما إذا كانت الخطة تقضي باستنزاف أموال الأقطار النفطية العربية في شراء سلاح لن يستخدم لردع “عدو” لم يعد موجوداً، بالمعنى العسكري للكلمة، فهي قد نجحت إلى حد إن كل الأغنياء السابقين يستدينون الآن من أرصدتهم وودائعهم (سابقاً) المجمدة في البنوك الأميركية، لسداد ثمن طائرات الخردة التي بيعت لهم بأضعاف ثمنها الأصلي وصواريخ “الباتريوت” الجبارة، وكذا لتوفير “جو حميم” لقوات الحماية الأميركية التي ما تزال على أرضهم، بينما تم ترحيل القوات العربية التي جاءت لمساعدتهم فعلاً وبالدماء قبل أن تضع “المنازلة الكبرى” أوزارها.
ليس صدام حسين هو الهدف الأميركي، بل إنه الحاكم النموذجي الذي يعمل على اختراعه المهيمن الأميركي وتعميمه على كل دنيا العرب والعالم الثالث والعالم الثاني (سابقاً) أو الاشتراكي (سابقاً): الحاكم المرفوض من شعبه، المستعد للتنازل عن آخر شبر من ترابه الوطني من أجل البقاء في السلطة، وغير المتورع عن إبادة نصف الشعب وكل الجيش (ما عدا حرسه الجمهوري)، والحاضر لتنفيذ أية مهمة يطلبها منه “السيد” والذي لا يحتاج إلى ابتزاز من أجل التنازل عن المحرمات.
وبعد سنة من هزيمة العراق (والعرب) في تلك الحرب التي كان صدام حسين ذريعتها ومشعل نارها، يبدو واضحاً أن بقاء هذا الحاكم الذي اكتشف متأخراً جداً أنه “سليل الحسين” مطلب أميركي – إسرائيلي و”عربي” لكي يعيد دور صلاح الدين الأيوبي معكوساً: فإذا كان هذا القائد العظيم النابت في تكريت قد هزم المستعمر الصليبي ووضع نقطة النهاية لدولته الاستيطانية في الشرق العربي، فإن تكريتياً آخر اسمه صدام حسين قد مكن لعودة الصليبي (الأميركي الآن) ووطد أركان الدولة الاستيطانية اليهودية في فلسطين.
وإنها لإهانة جارحة لشعب العراق أن يصير تغيير نظامه من مهمات مدير المخابرات المركزية الأميركية ومعه النظام السعودي.
وهي بالتالي إهانة للعربي حيثما كان،
وليس صحيحاً أن العرب عموماً والعراقيين منهم على وجه الخصوص مرتهن مصيرهم لخيار بائس بين أمرين أحلاهما مر: أما طاغية في الداخل يذهب بأهل الداخل ويستدرج الخارج، وأما طاغوت من الخارج يأتي ليخضع الداخل، من جديد، لمستعمر أكثر دربة وأعظم قدرة وأوسع “شعبية” بين الحكام العرب، هو ملك النظام العالمي الجديد.
“لقد انتهى عصر الثورة”!!
فهل انتهى عصر الشعوب؟!
… ولماذا، إذن، هذا الاهتمام الشديد بنتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، ثم بالنتائج المتوقعة لانتخابات الكنيست في إسرائيل؟!
أم أن في الكون الجديد، وضمن النظام العالمي الجديد، “شعبين” فقط ليس أي منهما “شعب” بالفعل،
وهل ستترك صناعة التاريخ للمجتمعات البلاد تاريخ؟!