طلال سلمان

على الطريق سلام أحمر لأطفال النبطية!

لكل منمطقة، بل ولكل طائفة، وحتى لكل قيادة مذبحتها الخاصة.
وهكذا امتد خيط الدم من الحرم الإبراهيمي في الخليل الفلسطينية إلى كنيسة سيدة النجاة في الذوق الكسروانية إلى النبطية وصيدا وبعض القرى العاملية في جنوب لبنان.
فبعد المصلين الصائمين جاء دور الأطفال وتلامذة المدارس والأمهات (في عيدهن).
لكل منطقة مذبحتها، ولكل مذبحة منطقها الإسرائيلي.
تماماً كما لكل وفد في المفاوضات العربية – الإسرائيلية موضوعه “الثنائي” الخاص مع العدو المشترك…
ولكل دم مسراه بحيث لا تتلاقى روافد النجيع المقدّس في نهر مبارك، وتظل كل ضحية مستفردة مستوحدة تمضغ ألمها لتخلي الأشقاء (والدول) عنها، تتجمع على نفسها في انتظار الضربة التالية.
ولكل دم مراق وظيفته: فبعض الدم “الفلسطيني” لاستحضار “المستوطنين” كقوة رفض إسرائيلية على “يمين” الحكم، تمنحه “بتطرفها” فرصة الظهور “كمعتدل”، ويعطيه اعتراضه على إرهابها وحل التنظيمين الوهميين (كاخ وكاهانا حي) صفة “الحاكم العادل” وصاحب الموقف الثابت في طلب “سلام الشجعان”.
وبعض الدم “اللبناني” لإيقاظ الفتنة الداخلية بتحريك السكين داخل الجرح الطائفي المفتوح، وهكذا تفجر كنيسة لكي يستعيد الطوائفيون في لبنان مواقعهم الممتازة خلال الحرب الأهلية، ولكي توجه السهام المسمومة إلى الخاصرة الرخوة في الجسد اللبناني، وهذا الجسد بالذات هو الخاصرة الرخوة في الموقف السوري الصامد.
ثم إن بعض الدم اللبناني مطلوب أيضاً لفرض معادلة سياسية مقلوبة على المفاوضات التي ستستانف بعد أيام في واشطن: فالمقاومة هي سبب الاحتلال وهي مبرر استمراره وليست نتيجة من نتاجه بالقهر والإذلال اليومي وامتهان الكرامة الوطنية.
للدم الفلسطيني المراق في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل المحتلة وظيفة: إعادة القيادة الفلسطينية إلى المفاوضات بالشروط الإسرائيلية (وقد قبلتها جميعاً)، ولكن بعد ترميمها بحيث لا تذهب بها قيادات الداخل (أي أهل الضحايا المقتولين جماعياً)، وتستطيع بلوغ مقرها المستحدث في غزة – أريحا على حصان خشبي وكأنها قادمة للإنقاذ.
وللدم اللبناني المراق في كنيسة سيدة النجاة بذوق مكايل من أعمال كسروان وظيفة: أن يهز علاقة المسيحيين بالحكم، وأن يوجه أصابع الاتهام إلى “جماعة متطرفة إسلامية” بحجة الاعتراض على زيارة مقررة للبابا يوحنا الثاني، طارحاً بذلك مجموعة من المسائل المختلف عليها أو الملتبسة داخلياً بحيث تحصد إسرائيل الثمار طرية ندية وبغير تعب.
أما الدم اللبناني المراق أمس في النبطية وبعض قرى جبل عامل وإقليم التفاح وصولاً إلى عاصمة الجنوب صيدا فله وظيفة أخرى: أن يطرح للمقايضة وعلناً “المقاومة” الإسلامية أو الوطنية، أو كلاهما، وبقيادة “حزب الله” دائماً، مع تلك الشرذمة من المرتزقة اللبنانيين الذين نظمتهم إسرائيل في “جيش أنطوان لحد” وأعدّتهم لكي يكونوا حصان طروادة لدخولها شرعاً إلى قلب القرار الرسمي في لبنان.
“لحد وجماعته مقابل “حزب الله”، أما الاحتلال الإسرائيلي فأمر متروك للمفاوضات بين الدول..”.
كانت للمساومة، في أعقاب الاجتياح الجوي في أواخر تموز الماضي، قواعد مختلفة: فلتمتنع المقاومة – “حزب الله” – عن ضرب المستوطنات في شمال الجليل المحتل بالكاتيوشا، فتمتنع إسرائيل عن ضرب الجنوب… أما “العمليات” داخل الشريط المحتل فمتاحة ومباحة وكل بقدر قوته، المهم ضمان السلامة للإسرائيليين – وللمستوطنين بالذات – داخل الكيان الصهيوني، أما الجنود في الشريط المحتل فهم بعض جيش الاحتلال، ومن المتوقع والطبيعي أن يُستهدفوا بعمليات فدائية وأن تنشب بينهم وبين المحتلة أرضهم معارك، ولكنها تظل محدودة ومحددة السلاح والمدى.
أما عبر التفجيرات التي شهدها لبنان خلال الشهرين الماضيين، وأشهرها تفجير بيت الكتائب المركزي في الصيفي ثم كنيسة سيدة النجاة في ذوق مكايل على مدخل جونيه، فقد بدا وكأن المساومة قد طويت، ثم جاء قتل الأطفال في النبطية وصيدا وسائر القرى الجنوبية يوم أمس ليشيّعها إلى مثواها الأخير.
… خصوصاً وقد تم الاتفاق على العودة إلى طاولة المفاوضات في واشنطن، بينما حمل الإسرائيليون الطاولة إلى تونس لكي يحصلوا من ياسر عرفات على توقيعه الجديد الذي لا ضرورة له إلا في استيفاء الشكل..
لإسرائيل دائماً حق الضرب والإيذاء، متى شاءت وحيث شاءت وبأي سلاح أرادت، وممنوع على الضحية حق الرد ولو بالصراخ (في مجلس الأمن)، فإذا ما عن لبعض “المتطرفين” والموتورين بكرامة الأرض أو بحقهم في الحياة، جاء الرد تأديباً للمنطقة بكاملها وللشعب جميعاً.
المقتول متطرف وإرهابي أما القاتل فدولة تطلب “السلام” وهي “تتطرف” في طلبه إلى حد استئصال المترددين بين من تنوي صنع السلام معهم ولأجلهم.
والمنطق واضح: قليل من التفجيرات أو الانفجارات (بالقصف) يوفر النجاح للمفاوضات الصعبة من أجل سلام مستحيل.
لكي تخرق المستحيل لا بد من كثير من الدم العربي الذي يستدرج المزيد من التنازل العربي فإذا السلام ممككن بل ومطلوب.
وهذا درس النبطية مكتوب بالأحمر القاني!

Exit mobile version